لِنَقُلها صراحةً، نحنُ لسنا على خير ما يُرام؛ فأعيادنا لم تَعُد أعيادنا ولا مُقدَّساتُنا مُقدَّساتنا، وحتماً لَم تَعُد أعيادُنا مقدّسة! تسلل المُجون إليها فاحتلّها، وحوّلها إلى مناسباتٍ للّهو والعَبَث والسُكر، بعدما كانت للوَرَع والتُّقَى، فأصبحنا أُضحوكةً لدى الشعوب، "وعَاراً عِنْدَ جِيرَانِنَا، وهُزُءًا وَسُخْرَةً لِلّذينَ حَولَنَا"(مز794). وفي أعيادنا هذه يقول الله: "لا أُطيقُ مَواسِمَكُم وا‏حتِفالاتِكُم... أعيادُكُم كَرِهَتْها نفْسي"(أش113-14).

أغرق الرُّعاع المقدّسات بحفنةٍ من الآلهة المُزيّفة والأغاني الساقطة وقرقعات الطبول الفارغة ووعود البحبوحة للرعايا، فربِح الدنيويُ وسَقَط المقدّس. دُعي الناس باسم المُقدَّس إلى المكان المقدّس ليمتلئوا من المُقَدَّس، فأتى الناس وأكلوا وشربوا ورقصوا وعادوا إلى بيوتهم فارغين، إلاَّ من السمّ الذي تقيؤوه فيما بَعد، بعدما رماهم لساعاتٍ خارج الزمان والمكان. كم نفساً خُلِّصت في أعيادنا! ما هَمّ! المهمّ أنَّ الرعايا عاشت نشوتها الإقتصادية، وابتسم القيّمون عليها، وابتسم الـ...، لا بل كان أكثرهم ابتساماً.

للأسف، هذا ما أصبحت عليه حالنا بعدما سطَّحنا أعيادنا واستَجرَّينا المياه الآسنة إلى مُحيطنا النظيف؛ حُفنةً من البشر الذين يجتمعون على غير وُدٍّ ويفترقون على غير وُدّ! وطبعاً على غير هُدى. وهو ما لوَّثَ بُنيتنا الروحيّة وقَوَّض دعائمها، ولا يزال، في ظلِّ غياب رادعٍ يردَع، وكلمةٍ تَجمَع، وسلطةٍ تقشَع.

متى سيتهاوى البُنيانُ بكامله؟ أعتقد بأننا سَنَجدُ أنفسنا يوماً ما وجهاً لوجهٍ أمامهذه الحقيقة المرّة، إن لَم نصحُ من سباتنا العميق؛ فالسوس لا يفتِك بالشجرة بين ليلةٍ وضُحاها، بل يفعلُ ذلِك على رُسلِه وعلى ليالٍ طِوال،ولكنه يُعطينا علامات اصفرار ما قبل اليباس، فإن لَم نُحرِّك ساكناً ونستأصله، ستيبس الشجرة وتتهاوى.

ولكي لا يأتي ذلِك اليوم ولا تِلك الساعة، علينا أن نكون حُكماءفننتبه إلى علاماتِ اصفرارِ ما قَبلَ اليباس التي ترتسِمُ على مُحيّا كنيستنا، وهي كثيرةٌ. أعمىً مَن يَدَّعي أننا بألف خير! لا لسنا كذلك! ولكن بإمكاننا أن نكون إذا ما استأصلنا السوس الذي ينخُر هذا الجسد المُقدّس،ونقّينا بيدرنا من الزؤان، ومَنعنا تسلل المياه الآسنة إلى مُحيطنا،وعندهاتعود عبادتُنا عِبادة مُستقيمة، وأعيادنا أعياداً مقدّسة ومناسباتٍ للغَوص في محيط النعمة، في الإيمان والرجاء والمحبّة، وللنهل من ماء الحياة الذي يُروي عطشنا إلى المُطلَق، وأماكن نظيفة نتعلَّم فيها نحن وأولادنا، ثقافة الحياة والسلام والعدالة والحقيقة والتعاضُد والتلاقي والحوار والأصالة، بعيداً عن الفردانيّة الأنانيّة، وملوثات القلب والعقل والإرادة.

فلنستيقظ إذاً، لأنَّ مَن يبقى في سباته العميق لا يضمَن مكانه على الدوام، بل سيأتي مَن يحتله ويتربَع عليه، وعندها لن ينفع بُكاءٌ ولن يُستَجاب تَضَرُّع.