رأى ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، أن ​لبنان​ اليوم الذي كان مجزأ ومنقسما سياسيا الى شطرين، كان الواجب إعادة بناء هذه الشركة هذه الوحدة اللبنانية، ولكننا نعيش معا فإننا في حاجة الى إعادة شركة مع الله عز وجل، لأن ما إقترف من مآس ومظالم وإبتعاد عن الدين وممارسة الدين وكيف أن الدين ظهر وكأنه أمر إجتماعي، في حين أن الدين هو روحية حقيقية بعيدة ينبغي أن نعود الى إتحاد مع الله.

ولفت الراعي خلال رعايته احتفال تقديم المجموعة الأولى من أوراق البطريرك أنطون عريضة في ثلاثة كتب قدمها رئيس الرابطة ​نوفل الشدراوي​ وحققها الإعلامي جورج عرب، وكتاب الزيارة الرعائية لمنطقة الجبة من الأبرشية البطريركية عام 1900 (تحقيق الدكتورة كوليت أبي فاضل)، نظمته ​رابطة قنوبين​ للرسالة والتراث، في الواحة الداخلية للكرسي البطريركي في ​الديمان​، ان عندما نتحد كلنا مع الله حتما نعيش الوحدة الأفقية فيما بيننا ونحن في حاجة الى المحبة لأن هذا المجتمع اللبناني الذي عرف بأنه عائلة واحدة متحابة. وقد سمعنا الكثير عن عيش المحبة في ​طرابلس​ وكيف كان أبناء المدينة لا يعرفون دين بعضهم البعض. لكن هذه المحبة رحنا نخسرها يوما بعد يوم، وكان لا بد ان نعود إليها لكي تسلم الشركة. وما لفتني ان هاتين الكلمتين وقعتا في قلب كل اللبنانيين، وعندما كان الشعب يأتي إلينا للتهاني، مسلمين ومسيحيين، كانوا يرددون "شركة ومحبة"، مما يعني ان لبنان في حاجة ماسة الى وحدة مع الله إتحاد عمودي معه من أجل إتحاد أفقي في ما بيننا ليعود لبنان الى سالف عهده ويقال فيه من جديد "نيال من عنده مرقد عنزة في لبنان".

ثم تحدث مفتي طرابلس والشمال الشيخ ​مالك الشعار​ الذي حضر المناسبة، مشيرا الى ان "سيد هذا الصرح الكبير صاحب النيافة والغبطة البطريرك الراعي، هو قائد مسيرة المحبة والشراكة، صمام امن الوطن الكبير لبنان وامانه، لافتا الى اننا طربنا وشعرنا بمشاعر الإعتزاز التي كانت منابر المساجد ومآذنها تردد التحية بلبطريرك عريضة، لأنه عرف جوهر ​المسيحية​، وعرف ان المسيحية هي محبة للإنسان، لأنه ادرك ان الرسالة الدينية والسماوية إنما تقوم على الإهتمام بالإنسان مسيحيا، مسلما، بوذيا أياً كان إنتماؤ.ه فالإنسان خليفة الله في الأرض والإنسان قد نال أولا، وقبل كل شيء، تكريم الله عز وجل له عندما قال الله في جنة علا: "لقد كرمنا بني آدم". عندما تستوعب المسيحية الإنسان تعانق ​الإسلام​ في ما يهتم به من قضايا الإنسان. والقضية الإجتماعية او المسألة الإجتماعية أو التكافل الإجتماعي هو أساس الرسالات السماوية لا تقوم ديانة على مجرد إعتقاد بوجود الله ووجدانيته. فالإيمان تطبيق وعمل عند سائر الرسالات و​الديانات​ السماوية لا يكمل في المسيحية. وانا اتحدث امام كبير الكنيسة في لبنان، وأتحدث في هذا الصرح في الديمان لا يكمل في المسيحية إعتقاد من دون عمل ودون محبة للإنسان ومن دون تأدية لفرائض الدين ولفرائض المسيحية من صلوات في الكنيسة، كذلك في الإسلام الإعتقاد الإيمان تطبيق وعمل، لا يكفي ان يكون العمل قاصرا على صلواتنا في كنائسنا او في مساجدنا، هناك عبادة أخرى هي السعي من اجل الأرملة والمساكين، هي إحتضان الفقراء، هي الإهتمام بشأن المساكين والضعفاء وعظمة الدين تكمل في ان يكسبك رحمة وشفقة وقلبا كبيرا لتكون مؤمنا بحق".

واضاف الشعار ان "ما الذي جمعنا اليوم ان نتحدث عن واحد من أهم بطاركة لبنان تصفحوا المجلدات الثلاثة للبطريرك عريضة في كل صفحة منها رسالة من فقير أو محتاج من مسيحي أو من مسلم، ثم يلبي غبطة البطريرك النداء والدعاء ويرسل الذي يفي ويكفي ويسد المجاعة ويخفف ألم الفقير أو المريض. قرأت المجلدات الثلاثة تصفحا، لكن أخذت مني أسبوعا على الأقل ما يزيد عن الألفي صفحة، لكن ما امتع قراءتها إقرأوا سطورها وعباراتها الأدبية البليغة لندرك أدب الناس وعاطفتهم التي كانت تستمطر رحمة الآباء والمطارنة والبطاركة".

واعتبر ان "هذه القضية الإجتماعية ربما تكون مشكلة لبنان الحالية. فلبنان يئن فنسبة 95 في المئة في لبنان فقراء. أظن انها مبالغة، لكن على فرض أن 40 في المئة من أهل لبنان فقراء، فهل هذه نسبة معقولة؟ كيف ينام احدنا وإخواننا لا يجدون ما لا يسدون فيه رمق الأطفال والمرضى والأرامل والأيتام؟ عندما تناول القرآن الحديث عن فرعون وأعتى أنواع الكفر التي ظهرت في هذا الوجود الكوني هو ما قاله فرعون قال: "أنا ربكم الأعظم". وعندما تحدث القرآن عن فرعون قال كالناس ما هي مشكلتهم كلنا يدرك ان إدعاءه للألوهية وانه ربهم الأعلى ان هذا خروج عن الإيمان وهو عين الكفر والشر، قال كلا بل لا تكرمون اليتيم. نحن إذا أردنا ان نتحدث عن الأمم الوثنية التي كانت تعبد الأصنام خص من بين تلك الرذايل أنهم لا يكرمون اليتيم. إعتبرها القرآن من أشد أنواع الرذائل لأنها تحمل قسوة على الإنسان، الإنسان هو خليفة الله في الأرض، الإنسان هو مكرم في الأرض والسماء، الإنسان مكرم لذاته قبل أي إنتماء سياسي، أو ديني او مذهبي أو طائفي، ولذلك عدم التكريم للإنسان مسبة كبيرة ونقيصة جرمية يعاقب الإنسان عليها في الدينا وفي الآخرة".

ودعا اهل طرابلس والشمال الى ان يستعيدوا الذاكرة وتلقي النفوس ولتتصافح الأيدي وليضم كل واحد منا اخاه الى صدره وأن نستعيد حقيقة التعايش، حقيقة الوداد، حقيقة المحبة، ان نترجم ديننا الى واقع عملي. يأمرني ديني بمحبتكم ويأمرني ديني وإلهي وربي ورسولي ونبيي أن احتضن أي إنسان ولو لم يكن من ملة الإسلام، لأنه إنسان. وأن أرعاه وأمد له يد العون وكذلك المسيحية التي أنزلت على ​السيد المسيح​ عليه صلاة الله وسلامه. نحن بحاجة ماسة ان نعلي الصوت وأن نترجم هذه المعاني وهذه المضامين لتكون حاضرا ومستقبلا بعدما كانت تاريخا وحتى لا تكون ذكريات فقط. أما الجهد الكبير الذي تقوم به رابطة ​الوادي المقدس​ قنوبين فلا يتوقف شكرها عند مفتي طرابلس وكفى، ستكلل بشكر كبير منكم، يا صاحب الغبطة. ما هذا الجهد الكبير لهذه الدقائق في سرد الحوادث وجمعها وتحقيقها ثم تصنيفها لتخرج من الأدراج، لكن لا اقول الى الظلمة وإنما الى قلوب الناس مباشرة".

بعد ذلك، قدم فريق إعداد ​الكتب​ المجموعات الى البطريرك الراعي والمفتي الشعار وكل الحاضرين.