يعيش ال​لبنان​يون اليوم لحظات ملؤها الترقب وهم يَرَوْن ابناءهم واخوانهم في ​الجيش اللبناني​ يخوضون معركة ​فجر الجرود​ سعيا لدحر الجماعات المتطرفة الجاثمة على ارض الوطن، وليس غريبا على جيشنا ان يخوض هكذا مواجهة فلقد خاض قبلها مثلها الكثير ومنها معركة ​مخيم نهر البارد​ وقبلها احداث جرود الضنية...، لكن الغريب هو تكرار هذا المشهد دون العمل للوقاية من تكراره ومعالجة أسبابه؟!.

ان الهروب من الواقع والقول بإن هذه الجماعات المتطرفة هي غريبة عن المجتمع اللبناني وانها لا تمت إلى نسيجه الاجتماعي بصلة هو سبب أساس في تكرار التجربة المؤلمة، وهنا نستذكر في هذا السياق تصريح وزير الدفاع اللبناني ​فايز غصن​ في العام 2012 حين تحدث عن وجود ل​تنظيم القاعدة​ في لبنان، فانطلقت حينها حملة من المزايدات أدت إلى تضييع البوصلة، مع العلم إن أول مراحل العلاج تقتضي الاعتراف بالمرض أو المشكلة ليعمل بعد ذلك على حلها.

اليوم لا نحتاج الى كثير استدلال لنثبت أن هذه ​التنظيمات المتطرفة​ بغض النظر عن اسمائها المتنوعة والمتعددة، حاضرة وفاعلة على الأراضي اللبنانية، فسلسلة التفجيرات والانتحاريين التي ضربت لبنان لم يكن أعضاؤها من ​قندهار​ ولا سرت بل كانوا لبنانيين منذ اكثر من عشر سنوات، حتى ان البعض من اللبنانيين يتزعم مجموعات تجاهر بأنها بايعت هذا التنظيم المتطرف أو ذاك.

لذا أمام هذا المشهد ينبغي أن نعترف بوجود هذا المرض وأن نعمل بإنصاف لتحديد سبل العلاج الناجع معه، أن هؤلاء اللبنانين وغيرهم الذين قاموا بتفجير انفسهم بين أهلهم أو خاضوا المواجهات إلى جانب هذ الجماعات المتطرفة ضد الجيش اللبناني كما ضد العديد من الجيوش العربية الاخرى، هم ليسوا مأجورين ولم يتخذوا هذا الفعل سبيلا للعيش، بل على العكس فهم قبل أن يحملوا السلاح وقبل أن يرتدوا الحزام الناسف، حملوا في صدورهم عقيدة دفعتهم لبذل ارواحهم في سبيلها...

بناء على ما تقدم إن أصل العلاج هو بالعودة إلى هذه العقيدة وكشف زيغها وانحرافها، وإلا فإن الحلول العسكرية انما تقضي على الأشخاص ولا تقضي على العقيدة فيأتي غيرهم ويحمل هذه العقيدة وهكذا ندخل في دوامة الصراع من جديد، وهذا هو السبب الأساس في تكرار معارك الجيش اللبناني مع هؤلاء. من هنا وحتى لا يضيع "الفجر" وندخل في غياهب الظلمات مرارا وتكرارا ينبغي علينا كل من موقعه العمل على نشر الفكر المعتدل الصافي، الذي يشكل حصانة لمن يحمله من تسلل الأفكار والعقائد الظلامية، وإن مما يسهم في انتشار الفكر الهدام هو أما تقاعس المعنيين أو تواطئهم، فللمتقاعسين نقول الساكت عن الحق شيطان اخرس، وللمتواطئين نقول انتم تسهمون بقتل الأبرياء بشكل أو بآخر.

وفي هذا السياق إن الوسائل الإعلامية تلعب دورا طليعيا في نجاح محاربة هذا الفكر الهدام، فمن دورها بداية إغلاق منابرها أمام دعاة هذه العقائد المنحرفة، وإفساح المجال أكثر فأكثر لأصحاب الفكر المعتدل الصافي، فليس صوابية الفكرة ما يروج لها انما نشرها من قبل من يحملها هو ما يروج لها، ووسائل الاعلام بمختلف اشكالها هي الاقدر على افساح المجال لنشر الفكر الصافي على أوسع نطاق ممكن.

ولكي تكتمل سلسلة العمل على دحر الفكر المتطرف الذي يترجم فيما بعد اعمال قتل ودمارا وتخريب لا بد من العمل على تجفيف مصادر تمويل هذه الجماعات، التي تمتلك قدرة فائقة على التخفي والتستر بأسماء جمعيات ومنظمات خيرية وإنسانية وهي بعيدة كل البعد عن مضمون اسمائها، وهذا يضع مسؤولية كبيرة على الأجهزة المالية والرقابية التابعة للدولة من اجل التحري عن واقع جمع الأموال ومصارفها التي تقوم به الجمعيات والمؤسسات المشبوهة.

في الختام إن من مقتضيات الحفاظ على ثمار "فجر الجرود" أن نعمل جاهدين على كشف الجماعات المتطرفة المتسترة باسم الدين، وأن نكشف زيغهم وانحرافهم ، وأن نعمل على طمس فكرهم ونبذه من خلال عدم الترويج له في الإعلام، كما وتجفيف مصادر تمويلهم، وهذا كفيل بكشفهم فدحرهم وإضعافهم غالبا، وإما ان لجأوا إلى اعمال التقتيل والتفجير والعدوان بعد كشفهم فيكونوا عندها قد اثبتوا تطرفهم وخسروا غطاءهم الذي يتسترون به فيسهل عندها كشف تضليلهم الذي لطالما استعملوه لجر الشباب إلى مستنقعاتهم النتنة...