منذ لحظة كشف مصير ​العسكريين المخطوفين​ لدى تنظيم "داعش" ​الإرهاب​ي، طرحت الكثير من الأسئلة عن كيفية محاسبة المقصرين من المسؤولين في ​معركة عرسال​ الأولى، لا سيما في ظل المعلومات عن أن ​المؤسسة العسكرية​ كانت قادرة على القيام بعملية عسكرية تستعيد من خلالها العسكريين المخطوفين، إلا أن غياب القرار السياسي حال دون ذلك.

وعلى الرغم من أهمية الإنتصار العسكري الذي تحقق في معركة "​فجر الجرود​"، التي جاءت بالتزامن مع معركة "إن عدتم عدنا" في المقلب الثاني من الحدود، إلا أن المحاسبة تبقى ضرورية لمنع تكرار الأخطاء.

في هذا السياق، يشير الخبير الدستوري ​عادل يمين​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هناك أكثر من وسيلة للوصول إلى هذه الغاية، أولها أن يعمد مجلس النواب إلى تشكيل لجنة برلمانية خاصة للتحقيق بما حصل يكون لها صلاحيات واسعة وذات طابع قضائي، كما أنه يمكن فتح هذا الملف من قبل ​القضاء​، لا سيما أن هناك إجتهادات أعطت القضاء العدلي صلاحيات ملاحقة الموظفين والمسؤولين في حال كان هناك جرم، وهذا المسار من الممكن تحريكه عبر دعاوى تقوم من قبل المتضررين أو عبر إخبار يقدم من أي مواطن كما أنه من الممكن أن يتحرك عفوياً.

ويوضح يمين أنه لمجلس النواب في هيئته العامة، بحسب نص المادة 139 من النظام الداخلي، أن يقرر إجراء تحقيق برلماني في موضوع معين بناءً على اقتراح مقدّم إليه للمناقشة أو في معرض سؤال أو استجواب في موضوع معين أو مشروع يطرح عليه، ويلفت إلى أن المادة 140 توضح أن هذه اللجنة تجري تحقيقها وترفع تقريراً بنتيجة أعمالها إلى رئيس المجلس الذي يطرحه على المجلس للبت في الموضوع، بينما تنص المادة 141 على أن للجنة التحقيق أن تطلع على جميع الأوراق في مختلف دوائر الدولة وأن تطلب تبليغها نسخاً عنها وأن تستمع للإفادات وتطلب جميع الإيضاحات التي ترى أنها تفيد التحقيق، في وقت تؤكد المادة 142 أنه يحق للجان، في هذه الحالة حيث من الممكن أن تكون لجنة الدفاع، أن تعين لجنة فرعية من أعضائها لاستقصاء الحقائق في قضية معينة، وفي حال امتناع الإدارة المختصة عن توفير المعلومات المطلوبة إلى اللجنة الفرعية ترفع هذه الأخيرة تقريراً بالأمر إلى اللجنة التي انتدبتها، التي تقوم بدورها بطلب تعيين لجنة تحقيق برلمانية من الهيئة العامة، وتوضح المادة 143 أنه يمكن للمجلس أن يولي ​لجان التحقيق البرلمانية​ سلطات هيئات التحقيق القضائية على أن يصدر القرار في جلسة للهيئة العامة.

على هذا الصعيد، يوضح النظام الداخلي لمجلس النواب أن التحقيق يتم وتمارس اللجنة صلاحياتها وفقاً لأحكام القانون رقم 11/72 تاريخ 25 أيلول 1972، الذي ينص في المادة الأولى منه على عدم جواز أن تتولى اللجنة "اصدار مذكرات التوقيف والاستنابات القضائية وقرارات الظن أو الاتهام أو منع المحاكمة"، مع العلم أن المادة الثانية من القانون نفسه تحدد أنه في حال قررت لجنة تحقيق برلمانية تحريك دعوى ما فإن هذه الدعوى تتحرك بطلب من وزير العدل استناداً الى اخبار من لجنة التحقيق البرلمانية.

​​​​​​​من جانبه، يعتبر النائب السابق لرئيس مجلس النواب ​إيلي الفرزلي​، في حديث لـ"النشرة"، أن تشكيل لجنة نيابية سيكون أمراً مفيداً في حال وجد أشخاص بالمستوى المطلوب وبالنزاهة المطلوبة، لا سيما أن هذه اللجنة سيكون عليها إعداد تقرير بعد الإنتهاء من التحقيقات من الممكن أن يؤثر على سمعة الأشخاص الذين يتناولهم في حين أن الغاية هي معرفة الحقيقة، ويذكر بأنه كان رئيس لجنة التحقيق التي تولت ملف صفقة طائرات "البوما" التي اشتراها لبنان في عهد الرئيس الاسبق ​أمين الجميل​، حيث تعرض لضغوطات كبيرة لكنه لم يقبل إلا أن يقدم تقريرا موضوعيا، لم يثبت فيه شيء يتعلق بالجميل فاتخذت الهيئة العامة قراراً باحالة القضية الى ​النيابة العامة التمييزية​ للتحقيق في الملف لأن للنيابة العامة صلاحية التحقيق والتوقيف.

على الرغم من ذلك، يرى الفرزلي أن ​المجلس النيابي​ الحالي غير قادر على القيام بهذه المهمة لأنه بأكثريته كان مغطياً لوجود الإرهاب، في حين أن ​الجيش اللبناني​ كان قادراً على القيام بعملية عسكرية في ذلك الوقت وكان من الممكن أن تؤدّي إلى إنقاذ حياة العسكريين، مقترحاً أن يتولى الإعلام المسؤولية من خلال تحويل القضية إلى قضية رأي عام.

في المحصلة، قانونياً هناك عدة وسائل من الممكن أن تستخدم لمحاسبة المسؤولين عن التقصير في معركة عرسال الأولى، لكن سياسياً هل يسمح بالوصول إلى هذه المرحلة، لا سيما إذا كانت ستقود إلى محاسبة مسؤولين كبار، سواء كانوا حاليين أو سابقين، في ​الدولة اللبنانية​؟.