منذ ما قبل إنطلاق معركة تحرير جرود ​السلسلة الشرقية​ عبر العملية التي قام بها "​حزب الله​" في جرود بلدة عرسال، ومن ثم العملية التي قام بها ​الجيش اللبناني​ في جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك، عادت السجالات الداخلية حول بعض الملفات المرتبطة بالأوضاع الإقليمية، التي كانت قد غابت عن الواجهة منذ التسوية التي قادت إلى إنتخاب رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وعودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى السراي الحكومي، في مؤشر إلى أن البلاد مقبلة على موجة جديدة من التصعيد.

على هذا الصعيد برزت العديد من الملفات، أبرزها التنسيق مع ​سوريا​ لمعالجة القضايا العالقة وعلى رأسها ملف النازحين، بالإضافة إلى ما رافق العمليات العسكرية من سجال حول وجود التنسيق مع الجانب السوري من عدمه، وصولاً إلى "تغريدة" وزير الدولة لشؤون الخليج ​ثامر السبهان​ حول "حزب الله"، ودعوته اللبنانيين إلى حسم موقفهم بالوقوف معه أو ضده.

في هذا السياق، تجزم مصادر وزارية، عبر "النشرة"، أن كل هذه السجالات التي ترتفع حدتها بين الحين والآخر لن تؤثر على عمل الحكومة الحالية، نظراً إلى أن ليس هناك مصلحة لدى أي فريق مشارك فيها بإسقاطها، وتعتبر أن ما يحصل هو جزء من اليوميات التي تعوّد عليها اللبنانيون، وتضيف: "في الأصل التسوية التي قادت إلى ولادة هذه الحكومة لا تزال صامدة، ومن غير المتوقع أن تهتز في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أنها مدعّمة بقرار دولي وإقليمي كبير".

وتوضح هذه المصادر أن هذه التسوية هي التي قادت إلى إنتخاب رئيس الجمهورية، بعد أشهر طويلة من الفراغ الرئاسي، وساهمت في ولادة سريعة ل​حكومة الحريري​ الثانية بعد مغادرته البلاد على أثر إسقاط حكومته الأولى في العام 2011، توقّعت أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى حين موعد ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة بحال لم يحصل أي شيء فوق العادة، وتشدد على أن الجميع في لبنان يدرك هذه المعادلة التي لا يمكن الخروج عنها بأي شكل من الأشكال.

من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ القوى السياسية اللبنانية، رغم خلافاتها المتشعبة، نجحت في الفترة السابقة بالإستفادة من الحرص الدولي والإقليمي على عدم تفجير الأوضاع في البلاد، وبالتالي من غير المتوقع أن تنزلق إلى المجهول في المرحلة التي بدأت تظهر فيها معالم التسويات الكبرى، مشيرة إلى أن هناك بعض القضايا التي تحتاج إلى التوافق عليها أو تأجليها إلى ظروف أفضل، لكن لا شيء يفرض الإستعجال في المعالجة، باستثناء الظروف الإقتصادية والإجتماعية التي باتت ضاغطة على نحو غير مسبوق.

على صعيد متصل، توضح أوساط سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، ان أغلب السجالات التي تعصف بالساحة المحلية يمكن وضعها في إطار سعي كل فريق إلى تحسين أوراق قوته، لا سيما أن البعض بدأ يجمع أوراقه لخوض الإنتخابات النيابية المقبلة، وتشير إلى أن جميع القوى تدرك أهمية هذا الإستحقاق الذي تعطل منذ العام 2009، خصوصاً أن البعض بدأ يربطه بالتنافس على الإنتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل الخلافات القائمة بين بعض الأفرقاء المعنيين به بشكل أساسي.

إنطلاقاً من هذا الواقع، تضع هذه الأوساط الرسالة التي توجه بها الوزير السبهان إلى اللبنانيين، والتي تشير إلى أنها تأتي في وقت تظهر فيه السعودية إنفتاحاً على الجانب الإيراني بعد سنوات من القطيعة، وتؤكد بأنه لا يمكن الجزم لجهة الهدف منها في هذا التوقيت، حيث أن البعض يضعها في إطار التحضير لمواجهة مقبلة على الساحة المحلية مع "حزب الله"، في حين يرى البعض الآخر بأنها رسالة إلى الحريري بأن ما يقوم به غير مرض، بينما يضعها فريق ثالث في سياق السعي إلى التأكيد بأن الصراع على مستوى المنطقة لم يحسم بعد لصالح المحور الآخر، وتخلص الأوساط الى التأكيد بأن الأمور ستبقى مرهونة بالتوجه الذي ستسلكه العلاقات الإيرانية السعودية في المرحلة المقبلة، لكنها تلفت إلى وجود شبه إجماع على أن الأمور ستبقى تحت سقف محدد.