حتى الساعة، لا يبدو أن قوى ​المعارضة السورية​ في طور الإعتراف بإنتصار الرئيس السوري بشار الأسد، بالرغم من كل التحولات التي عصفت بالحرب الدائرة منذ العام 2011، لا سيما على مستوى القوى الدولية والإقليمية الداعمة لها، بالإضافة إلى فقدانها أي قوة عسكرية من الممكن الرهان عليها، لدرجة يمكن معها السؤال عن فائدة التسوية معها، طالما أن أغلب الأراضي السورية باتت تحت سيطرة فريقين: ​الجيش السوري​ و"​قوات سوريا الديمقراطية​"، بينما باقي المساحات خاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية، سواء كانت "داعش" أو "النصرة"، وهذا الأمر لا يمكن الركون إليه، نظراً للتوافق على أن التنظيمين لا يمكن أن يكونا جزءاً من أي تسوية سياسية في المستقبل.

ضمن هذا السياق، تأتي التصريحات المتكررة للسفير الأميركي السابق ​روبرت فورد​، بالإضافة إلى موقف المبعوث الدولي إلى سوريا ​ستيفان دي ميستورا​ مؤخراً، حيث الدعوات إلى أن تكون تلك المعارضة واقعية في التعامل مع التطورات، خصوصاً بعد أن فشلت على مدى السنوات السابقة في تقديم أي طرح مفيد، فهي من حيث المبدأ أخطأت بالتعامل مع الأحداث في منعطفين مهمين: الأول عندما تم وضع جبهة "النصرة" على قوائم المنظمات الإرهابية من قبل واشنطن، حيث رفضت تلك المعارضة التصنيف ودافعت عن الجبهة، والثاني عندما لم تقدم بديل منطقي عن الحكومة التي تريد إزالتها.

من وجهة نظر مصادر متابعة لهذا الملف، لم تنجح قوى المعارضة السورية، غير الموحدة، في تقديم خطاب سياسي أو مشروع عملي مقبول من كافة الأطراف على مدى سنوات الأزمة، وهي في المقابل فشلت في تأمين ما كان يطلب منها، لا سيما من القوى الداعمة لها، على مستوى الإبتعاد عن التنظيمات المتطرفة، بالتحديد "النصرة"، نظراً إلى أن التعاون معها من قبل الفصائل المسلحة كان قائماً، في حين أن "داعش" كان يخوض حرب إلغاء ضدها، وترجح أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى أن المعارضة السياسية لا تملك سلطة القرار على الفصائل العاملة على أرض الواقع.

إنطلاقاً من هذه المعطيات، توضح المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن وجهة الأحداث تبدلت، منذ أشهر طويلة، عند القوى الدولية والإقليمية، من السعي إلى إسقاط الرئيس الأسد إلى العمل على محاربة الإرهاب، بينما قوى المعارضة أصرت على موقفها في وقت كان فيه الجيش السوري يستعيد المبادرة العسكرية على أكثر من جبهة، وهو مؤخراً نجح في فك الحصار عن مدينة ​دير الزور​، الأمر الذي لم يكن متوقعاً بأي شكل من الأشكال، بينما كانت غرفة "الموك" تطلب من فصائل "الجيش السوري الحر" الإنسحاب من البادية وعدم قتال الجيش السوري، وتضيف: "رغم كل ذلك كانت تلك القوى تُصر على تكرار المواقف نفسها من دون أن تنجح في فهم ما يحصل من حولها من متغيرات".

وتشدد هذه المصادر على أن الحديث عن إنتصار الرئيس السوري في هذه الحرب من قبل بعض الجهات الفاعلة لا يأتي من فراغ، بل هو يعود بشكل أساسي إلى ما تحقق على أرض الواقع منذ إستعادة السيطرة على مدينة حلب التي تعتبر العاصمة الإقتصادية للبلاد، ومؤخراً مع فك الحصار عن دير الزور الذي سيكون نقطة إنطلاق نحو السيطرة على المناطق الواقعة على الحدود مع العراق، بعد النجاح في طرد التنظيمات المتطرفة من الحدود مع لبنان، بينما الملف على الحدود مع الأردن خاضع لتفاهم بين الجانبين الأميركي والروسي، وعمان بدأت تلمح إلى الرغبة في إستعادة العلاقات مع دمشق.

​​​​​​​

بالنسبة إلى الحدود مع ​تركيا​، تشدد المصادر نفسها على أن هذا الموضوع خاضع للتفاهمات السياسية، لا سيما أن أنقرة تشعر بالخطر من سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على القسم الأكبر من الشريط الحدودي، ما دفعها إلى القيام بعملية عسكرية في الداخل السوري وفتح باب التعاون مع موسكو وطهران ودمشق بطريقة غير مباشرة، وتوضح أن هذا الأمر سيكون مطروحاً بقوة في المرحلة المقبلة لمعالجة ملف ادلب، وتضيف: "في الأساس كانت المشكلة في المناطق الحدودية واليوم القسم الأكبر منها على طريق الحل"، لكنها تعود إلى السؤال نفسه: "هل ستعترف المعارضة بالهزيمة وتعسى إلى التسوية السياسية بواقعية أم ستبقى مُصرة على مواقفها التي هي عبارة عن أمال"؟.