المشهد في ​لبنان​ كان، أمس، استثنائياً. إنها المرّة الأولى التي يودّع لبنان هذا الحشد من الشهداء الأبطال على إمتداد رقعة الوطن، في يوم واحد.

إنه استثنائي في شموليته. وهو استثنائي في كونه تعبيراً صادقاً عن الوحدة الوطنية. وهو استثنائي في أنه أسمى من الصراعات والخلافات والمناكفات. وهو إستثنائي في أنه يجمع هذا القدر العظيم من المشاعر التي تبدو متناقضة ولكنها متكاملة: مشاعر الفخر والإعتزاز بالشهداء البواسل الذين تمسّكوا بوطنهم وبجيشه فدفعوا حيواتهم ثمناً أغلى وأشرف وأعظم. ومشاعر الحزن على هؤلاء الشبان الذين طويت حياة كل منهم وهم في ريعان العمر ليرحلوا الى دنيا الخلود، ووراءهم آباء وأمهات وزوجات وأبناء وبنات وأشقاء وشقيقات. ومشاعر الغضب على فظاعة الجريمة ​الإرهاب​ية الهائلة التي نفذها مرتزقة الإرهاب الآتون من مختلف البلدان لينفذوها في هذا الوطن الآمن. ومشاعر القهر لأن المنفذين (أو معظمهم) لم يعودوا في متناول يد العدالة.

إنه مشهد يجب أن يتمعن فيه أبناؤنا وأحفادنا ليدركوا أنهم ينتمون الى وطن عماده جيش يفتديهم ضباطه ورتباؤه وجنوده بمهجهم والأرواح. مشهد يجب أن يظل ماثلاً في أذهانهم ليفاخروا به العالم كله. هذا العالم المتخاذل، المنافق، الغارق في مصالحه على حساب المبادىء الأخلاقية والقيم الإنسانية وحقوق الشعوب في الحرية والكرامة وحقوق البلدان في السيادة والإستقلال.

وهذا المشهد الإستثنائي يجب أن ينتهي (بالضرورة) في إثنين: التحقيق النزيه الجدير بالصدقية، وأيضاً الجيش ودوره.

في الأول نحن مع التحقيق. ولن نزايد على رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الذي جزم، أمس، بأنّ هذا التحقيق هو لتحديد المسؤوليات ولوقف الإجتهادات. ولن نزايد كذلك على رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري الذي قال إن الهدف من هذا التحقيق هو التوصل الى الحقيقة في ما جرى في ​عرسال​ وجرودها منذ البداية حتى اليوم وإنه لن يكون في مساره كيدية أو إنتقام.

فليكن التحقيق شفّافاً. ولتكن المعلومات التي يُكشف عنها في متناول الرأي العام. فاللبناني واع ويعرف، ربما، أكثر مما يعرف عدد من المسؤولين. ولينتهِ التحقيق بالحقيقة الكاملة غير المنقوصة. والأهم أن يكون اللبنانيون جاهزين لتقبّل الحقيقة المنشودة مهما كانت قاسية.

وفي الثاني: الجيش ودوره.

لن نقول جديداً إذا رددنا (مراراً وتكراراً وأبداً ودائماً) مقولتنا المشهورة: إذا كانت الجيوش ضرورة للأوطان ف​الجيش اللبناني​ هو قدَرُ لبنان.

ولولا الجيش لما قامت قائمة للوحدة الوطنية.

ولولا الجيش لما كنّا ننعم في هذا الوطن بما يعرف القريب والبعيد من أمن وطمأنينة واستقرار.

ولولا الجيش لسقط الميثاق الوطني وتعثرت الوحدة الوطنية وانهارت الجمهورية.

وهل ثمة ضرورة للتذكير بما آلت اليه أوضاع هذا الوطن يوم غيّبوا الجيش ومنعوه من القيام بدوره في العام 1975؟