شهدت الأسابيع الماضية التهاباً في المواقف السياسية وتصعيداً متبادلاً من الفرقاء السياسيين وإطلاق غيلان الحوارات الإعلامية الساخرة.

يبدو أنّ كلّ ذلك يسير نحو انحسار. فرئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الذي أشار من العاصمة الفرنسية إلى أنه كان على علم بالتفاوض الذي يجري مع ​تنظيم داعش​، عاد فتوجّه إلى موسكو ليشتري سلاحاً لدعم الجيش ويوقّع اتفاقيات لتطوير التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، ويشير في الوقت نفسه إلى اتفاق مع ​حزب الله​ على حماية الأمن والاستقرار في ​لبنان​.

يلاقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الشيخ سعد في الوقت نفسه، فهو مرّر رسائل عديدة تشير إلى رغبة في التهدئة أو مديح مقنّع لرئيس الحكومة، ليطلّ نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بموقف يبدي فيه إيجابية تجاه رئيس تيار المستقبل، قائلاً: «الرئيس سعد الحريري يتصرف بعقلانية لحماية الاستقرار وهو متأذّ من الأصوات التي تثير البلبلة، ولا يوجد مانع من الحوار الثنائي معه».

وعليه، فإنّ حزب الله، وفق العارفين، براغماتي. مسايرته للحريري نابعة من ربط النزاع الإيجابي بين الطرفين. فهناك سياق بدأ يفرض نفسه عنوانه الأساسي التناقض الفاضح في النظرة إلى حزب الله والتعاون معه، بين رئيس الحكومة وبين وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ​ثامر السبهان​.

أما إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، فهي بدت منذ اللحظة الأولى احتوائية وتهدوية، ليبدو بأنّ ما حصل من تصعيد وكأنه مواقف سياسية طائشة على عادة قسم كبير من السياسيين من 8 و14 آذار، وليتبدّى أنّ القاعدة الحاكمة على القواعد كلها التي يسير عليها الإيقاع اللبناني هي الحفاظ على الستاتيكو القائم الآن. ستاتيكو تشكل الحكومة الراهنة ركيزته الأساسية بالاستناد إلى حدّ أدنى من التضامن الداخلي وحماية الأمن والاستقرار وصياغة مساحة مشتركة من التعاون في معالجة الملفات الكبرى.

هذه المعادلة ما زال لديها عمر متبقٍّ مدّته 8 أشهر وليس أقلّ، فالدعوات إلى إجراء الانتخابات قبل أيار 2017، حيث يُقال إنّ البطاقة الممغنطة لن تُنجز في الموعد المحدّد، غير دقيقة. فالقوى السياسية في غالبيتها، لا سيما التيار الأزرق، ترغب بالتأجيل مجدّداً.

من هنا، يمكن فهم منطلقات وخلفيات وحدود التحقيق الذي يجري في ما خصّ مقتل العسكريين الشهداء على يد التنظيم الإرهابي. فالتحقيق، بحسب مصادر مطلعة على الملف لـ«البناء»، هو تحقيق تقني جرمي يقف عند حدود السياسة ولن يتعدّاها. وبحسب قاضي التحقيق العسكري صقر صقر، فإنّ التحقيق سيطال الذين خطفوا العسكريين والذين قتلوهم. ما يعني أنّ ذلك سيبقى خارج المساحة السياسية لمواقف الأطراف وقتذاك. بخاصة أنّ هذه المواقف ظهّرت بعض السياسيين بصفتهم ضالعين بالمناخات التي أحاطت بعمليات الخطف أو عرقلت معالجة وضع المخطوفين. وبالتالي فإنّ من حرّض وهدّد بتأجيج نار الفتنة يومذاك لن يصل الى المحاكمة، تقول المصادر نفسها. لا بل الأصحّ لن يطاله التحقيق. فالتحقيق والمحاكمة لن يتعدّيا مستوى مصطفى الحجيري «أبو طاقية»، ورئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري «أبو عجينة» ومن يدور في فلكهما ومستوييهما.

في هذا السياق، فإنّ هذا التحقيق محكوم بالقاعدة المشار إليها، وأنّ القوى السياسية كافة بمن فيهم التصعيديون من الطرفين سينضبطون في نهاية المطاف بهذه الحدود، تجزم المصادر. فالمرحلة هي مرحلة ردّ العواصف عن لبنان. وهذا البلد هو بلد التسويات.