مع بدأ معركة فك الحصار عن ​دير الزور​ واستعادتها بدا ان معسكر الدفاع قد بدأ المعركة الاساسية الاخيرة ضمن تصنيف المعارك – المعالم الاستراتيجية الكبرى للدفاع عن سورية ووحدتها ودورها الاستراتيجي،

حيث إن نجاحه فيها وبعد الانجازات العملانية والاستراتيجية التراكمية السابقة يعني تجريد المعسكر المعتدي بقيادة اميركية قدرة التأثير على النتيجة النهائية للمواجهة عبر تجريده من ورقة اساسية هامة تتصل بالحرب عامة وبمصير داعش صنيعة ​اميركا​ واداتها خاصة.‏

و لهذا حاولت اميركا ان تمنع هذه المعركة وتدخلت بطيرانها لقطع الطريق على القوى السورية وحلفائها من النجاح فيها ثم تحسبت لأمر خسارتها عبر الامساك باوراق اربع عولت عليها لتحفظ ماء وجهها ولتفرض نفسها شريكا مؤثرا في صياغة الحل او الخروج من الميدان ببعض جوائز ترضية تنالها عبر الضغط على ​الحكومة السورية​ وحلفائها بهذه الاوراق. فما هي هذه الاوراق وهل ستتمكن اميركا من تحقيق اهدافها عبرها ؟‏

1) نبدأ اولاً بالورقة الكردية، حيث تتمسك اميركا بدعم ​الاكراد​ في الشمال الشرقي السوري لتنفيذ مشروع ذاتي انفصالي يعيد مسالة وحدة الارض السورية مجددا للواجهة. وفي هذا نقول ان معالجة هذا الامر ليست عسيرة على سورية وحلفائها انطلاقا من واقع الميدان والديمغرافية والمحيط معا. لان الاكراد ان لم يستجيبوا للمساعي الاقليمية لا بل والضغوط الاقليمية سياسيا ويتوقفوا عن التلاعب بقضية كبرى بحجم وحدة سورية فعليهم ان ينتظروا موقفا ​سوريا​ رسميا وشعبيا صارما ومدعوماً من محور كبير وبيئة اقليمية مؤثرة، يمنعهم مهما كانت الاثمان من تنفيذ مشروعهم الانفصالي، فسورية التي قاتلت في اصعب الظروف من اجل وحدتها وفي ظل موازين قوى لم تكن في بعض المراحل لصالحها وانتصرت لن تتسامح مع اي عمل يفسد وحدتها وامنها، وقد تكون الضربة المحدودة التي وجهت الى بعض طلائع «قسد» في ريف دير الزور رسالة اولية سيتبعها الاعظم ان لم يفهم مضمونها ولن يجد الاكراد يومها ما يأملون من اميركا.‏

2) ثانيا ورقة ادلب ومنطقتها وريفها: غالبا ما روجت اميركا ان ادلب لن تعود الى سلطة الدولة الا بشروط معسكر العدوان وعززت اشاعات اميركا هذه الوضع الذي انقلبت اليه ادلب تحت سيطرة الارهابيين بعد ان اظهرت بانها ملجأ للجماعات الارهابية والمسلحة عندما تخسر معاركها في الداخل السوري. ثم كان حديث عن قوة اطلسية تركية تتجه لادلب للسيطرة عليها تحت عنوان ​محاربة الارهاب​. لكن هذه الخطط سقطت كلها في الواقع ثم جاءت اليوم مخرجات (آستنة 6) لتعلن ادلب منطقة منخفضة التوتر يراقب الوضع فيها ثلاثية رعاية منظومة مناطق خفض التوتر (​روسيا​ و​ايران​) في جزء، وفي جزء اخر ​تركيا​ بضمانة ومتابعة من روسيا وايران تحول دون ان يشكل الوجود التركي المؤقت اي مس بوحدة ​الاراضي السورية​ او تشكل هيمنة تركية او قيام مشروع تركي ذاتي في المنطقة. وتكون هذه المهمة التركية الجديدة بمثابة تحويل دور تركيا من داعم للارهاب الى شرطي مؤقت لمواجهته، فإن غدرت تركيا او خانت تعهداتها ونكثت بها او أخفقت وقصرت فانها ستطرد وتستبعد كليا عن الملف. وبهذ تكون ادلب منخفضة التوتر مرحلة وسيطة تؤمن الانتقال من الامن المختل بالارهاب الى الامن الحقيقي بيد سورية شرعية وبالنتيجة تكون اجهاضا للورقة الاميركية المخططة للمنطقة.‏

3) ثالثا ورقة الارخبيل من القواعد العسكرية الاميركية العشرة التي اقيمت في سورية وتحديد شرقي سورية من الشمال الى الجنوب تحت عنوان محاربة داعش: ان اميركا تحاول ان توحي بان هذا الوجود مؤقت ومرتبط بالحرب على الارهاب وسورية، ونريد ان نصدق الآن هذا رغم قناعتنا بان اميركا تضمر شيئا اخر. لكن وبما ان الارهاب في سورية دخل الان مرحلة التصفية وبالتالي فإن مبرر وجود تلك القواعد سينتفي مع اجتثاث الارهاب وقد يكون ما يحضر بين روسيا واميركا لاغلاق قاعدة التنف، فيه ما يدل على امكانية معالجة تلك القواعد بهذه الصيغة فان لم تف اميركا بوعدها فعليها ان تنتظر موقفا سوريا منسجما مع الاستراتيجية السورية العليا التي حكمت السلوك السوري طيلة سبع سنين من مواجهة العدوان، وطبعا يؤازرها حلفاؤها فيه وقد عبر بيانهم عن الكثير في هذ الشأن ووجه رسالة قاطعة به.‏

4) رابعا ورقة الجنوب الغربي والعامل ال​اسرائيل​ي . قد تكون هذه الورقة لعبت في مرحلة من المراحل دورا ذا تاثير مهم في مجريات الحرب، اما اليوم وبعد الانتصارات الاستراتيجية الكبرى التي حققها ​الجيش​ العربي السوري من حدود ​الاردن​ ثم صعودا الى الحدود مع لبنان، فان تلك الورقة باتت خاوية جوفاء، وهنا نذكّر بما ورد في بيان غرفة عمليات الحلفاء المدافعين عن سورية والذي اعلن قبل يومين وذكر فيه بشكل مقصود ما يغضب اسرائيل الخارجة لتوها من مناورة فاشلة وهي التي كانت تطالب وتلح على خروج حلفاء سورية من منطقة بعمق 60 كلم بعيدا عن ​الجولان​ وحدود الاردن، فجاء البيان ليؤكد على وجود هؤلاء الحلفاء وسماهم بالاسم وفي هذا رد اكثر من كافٍ على من يعنيه الامر بان سورية تقرر ولا يمكن ان تقبل بان يقرر لها، وحلفاؤها يعملون كما تريد هي وليس كما تريد اميركا واسرائيل!.‏

وهكذا نرى ان المعارك الرئيسية الاستراتيجية الكبرى تنتهي مع الانتهاء من معركة دير الزور التي سيدفن فيها المشروع العدواني وتدوسه اقدام الجيش العربي السوري والحلفاء وهم يتوجهون الى ​الميادين​ و​البوكمال​، اما الاوراق الاربع التي ذكرناها وتظن اميركا ان بامكانها لعبها فانها لن تجدي الاميركي نفعا بعد ان حضّر لكل ورقة ما يناسبها من علاج وبهذا نكون فعليا قد دخلنا في مرحلة ما بعد سقوط العدوان والخروج من أتون الازمة، وما بقي عناوين جزئية تندرج تحت العنوان الاساسي وهو مرحلة تصفية العدوان وآثاره والتحضير لإعادة الإعمار الذي بدا لعاب الخارج يسيل عليه دون ان يدري بان من حارب للدفاع عن سورية هو من سيتولى أمر إعمارها ومن شارك بالعدوان عليها لن يكون محل ثقة لتولي شؤون العمران لان من حفر القبور لن يكون أهلاً لبناء الدُور والقصور.‏