ليس جديداً الانقسام الذي تشهده الساحة ال​لبنان​ية بالنسبة الى الموقف من ​سوريا​، فهو قديم ويعود لسنوات طويلة منذ ان دخل السوريون عسكرياً الاراضي اللبنانية بغطاء اجنبي. لكن الواقع اليوم هو ان المعادلات تغيرت، ومع مرور الوقت خسر الجانب الذي كان يؤيد سوريا عدداً من اعضائه فيما كسب اعضاء جدداً من الجانب الذي كان يعارض سوريا.

واقع الحال الراهن دقيق، فلبنان ضالع في الازمة السورية بشكل غير رسمي ويعلن رسمياً انه ينأى بنفسه عن ​الحرب السورية​. انها حالة انفصام سياسي وقع فيه لبنان فهو يعرف تماماً انه غير قادر على فك الارتباط بالوضع السوري ولكنه في الوقت نفسه لا يرغب في الدخول في اللعبة السورية التي تديرها دول كبرى.

اثبتت التطورات والاحداث الملموسة انه لا يمكن للبنان ان ينفصل عن مجريات الاحداث في سوريا، لاسباب عدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دخول ​حزب الله​ في الحرب، مسألة اللاجئين السوريين، اهتمام رجال الاعمال اللبنانيين بمرحلة اعادة الاعمار... ورغم ذلك، اثار توجه عدد من الوزراء اللبنانيين الى دمشق موجة كبيرة من الكلام والانشقاق السياسي بين مؤيد ومعارض، فكيف ستكون المعالجة؟.

من المسلّم به ان الاوضاع الداخلية لن تتدهور، ومهما علا سقف الانتقاد بين تيار "المستقبل" و"حزب الله"، فإن الفتنة السنّية-الشيعية لن تقع في لبنان، خصوصاً في ظل الاهتمام الدولي به من جهة، والتقارب الايراني-السعودي الخجول من جهة ثانية، اضافة الى الدقة في الكلام بين التيار والحزب والذي يبقي الباب مفتوحاً امام عودة الاستقرار الاعلامي بينهما. ولعل الدليل الاكبر على ذلك، هو عدم تطور التوتر الى مناكفات ومشاحنات في الشارع، وهو امر نادر ان يحصل لولا وجود قرار صارم وواضح بعدم اخذ الامور الى نقطة اللاعودة. وفي مقابل طي صفحة الخلاف السنّي-الشيعي حالياً، تفتح صفحة الخلاف الحكومي ليس من باب الاطاحة بالحكومة (فهو ايضاً امر غير وارد في الوقت الراهن)، بل من باب التعاطي مع القرارات والاتفاقات التي ستبرم خلال زياة الوزراء اللبنانيين الى سوريا. يقول رئيس الحكومة وبعض الوزراء ان تواجد وزراء لبنانيين في دمشق لا يحمل الطابع الرسمي بل الطابع الشخصي، ولكن السؤال يطرح حول مصير اي اتفاق قد يتم توقيعه هناك. قد يكون الحل بطريقة ترضي الجميع، حيث يبقى الاتفاق قائماً ويكتسب صفة الرسمي، انما قد يعلق التنفيذ لمرحلة لاحقة وبالتحديد ريثما تتم معالجة الامور في سوريا وفق حل يتم تطبيقه في الآتي من الاشهر، وعليه يربح الجميع من خلال هذا المخرج لانه يحفظ لكل من اطلق مواقفه الداعمة او الرافضة للتعاون مع سوريا، ماء الوجه.

وبعيداً عن وجهات النظر السياسية، فإن العلاقة بين لبنان وسوريا ستعود بشكل رسمي في الفترة المقبلة (قد تطول او تقصر وفق تسارع الاحداث والمعطيات الدبلوماسية)، ولكنها لن تكون وفق القاعدة التي كانت عليه في السابق، فلم تعد سوريا صاحبة القرار في لبنان وهو امر تجسّد قبل نحو ست سنوات، وخفّ نفوذها السياسي والمعنوي بشكل كبير، لا بل تحول حزب الله الى لاعب قوي على الساحة السورية، وهو وان حفظ مكانة القيادة السورية، لكنه قادر ان يكون طرفاً في مجريات الاحداث هناك. اضافة الى ذلك، فإن الوضع السوري الداخلي لم يعد على حاله، واهتزت صورة القيادة دون ان تقع.

مع سوريا ام ضد سوريا؟ هذا هو السؤال المطروح حالياً ولكنه عرضة للتغيّر دون شك في المرحلة المقبلة بحيث سيصبح: كيف سيتأثر لبنان بصورة سوريا الجديدة في المستقبل؟.