لا يعتبر ​لبنان​ بلداً ينعم بالراحة والطمأنينة والاستقرار في كلّ إداراته العامة ومؤسساته، فهذه المؤسسات التي دخلها الفساد أو عمّت فيها المخالفات هي في أشدّ الحاجة الى الإصلاح... فكيف لرئيس بلدية مثلا أن يصبح بين ليلة وضحاها صاحب أموال ضخمة وكيف لمدير إحدى الدوائر في مؤسسة رسمية بالكاد يحضر الى العمل أن يتقاضى شهرياً آلاف الدولارات، ووحده ​التفتيش المركزي​ الوحيد المخول التحقيق في هذا المسألة بناء على شكوى تصله.

في تموز الماضي أرسل رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ تعميماً يحمل رقم 17/2017 الى جميع ​الادارات العامة​ والبلديات والمؤسسات بشأن أصول عرض المواضيع على التفتيش المركزي، والتقيد بالمهل المحددة في مراسلاته، ووجوب إعتماد قاعدة التسلسل الإداري في مخاطبة رئاسة التفتيش المركزي، بحيث تحصر برئيس الادارة أو من يفوّضه بذلك على أن تبلغ ادارة التفتيش بذلك"، داعياً الى "إجراء كلّ تحقيق تستلزمه المخالفة أو الاشكال واعطائه النتيجة المناسبة قبل اللجوء الى التفتيش المركزي"، مضيفاً: "تضمّ الادارة المعنية بالمراجعة ملف التحقيق والنتائج التي إقترن بها الى المستندات المحالة الى التفتيش المركزي". مصادر في التفتيش المركزي تشير عبر "النشرة" الى أن "التفتيش يتبع التسلسل الاداري ونظام الموظفين الذي يقول بأن يخضع الموظف لرئيسه المباشر، وينفذ أوامره وتعليماته، الا اذا كانت هذه الاوامر مخالفة للقانون، وفي هذه الحالة يلفت الموظف نظر رئيسه خطيًّا الى المخالفة، ولا يلزم بتنفيذ أوامره، وله أن يرسل نسخا عن المراسلتين الى التفتيش، وبالتالي على الموظف أن يرسل الشكوى الى رئيسه حتى لو كان هو المخالف ليحقق فيها ويرسلها الى التفتيش المركزي"، متسائلاً في "نفس الوقت عن السبب الذي دفع الحريري الى اعادة ارسال هذا التعميم رغم أنه معروف"؟.

ورأت المصادر أن "في شكوى الموظف الى رئيسه هي كانذار خطي بأنه يدرك أنه خالف أو ارتكب جنحة أو ما شابه"، في حين أن مصادر قضائية أخرى أشارت الى أنه "في الفترة الاخيرة شهدت الشكاوى الى التفتيش فوضى كبيرة وأصبح المرؤوس يتمرّد على رؤسائه ويخاطب التفتيش مباشرةً"، لافتاً في نفس الوقت الى أن "لهذا الاجراء المتبع نواحٍ سلبية وأخرى ايجابية، ففي بعض الأحيان رئيس الادارة أو المصلحة يخالف دون أن يتمكن أحد من محاسبته، وقد يكون في كثير من الاحيان المرؤوس معه حق، دون أن يتناول الموضوع مع رئيسه. من جهة أخرى هذا التعميم ينظّم الفوضى التي قد تحصل في حال قرر الموظفون التقدم بشكوى ضد رؤسائهم".

وهنا تتطرّق المصادر الى مسائل أخرى أكثر خطورة، وتشير الى أنه "في بعض الحالات قد يكتشف أحد الموظفين إختلاساً ما في الشركة يسعى الى الابلاغ عنه ولكن دون أن يعرض نفسه لخطورة الطرد من العمل، وهذا أمر وارد جدا في الادارات في لبنان"، مضيفةً: "اذا كان مثلا رئيس دائرة ادارية أو رئيس بلدية مرتكبا لمخالفة أو جرم اختلاس أموال مثلا، فهل يعقل أن يحقق هو في جرم إرتكبه"؟، لافتة الى أنه "في هذه الحالة وضع الموظف نفسه في دائرة الخطر بعد الكشف أمام المسؤول عما يعرفه عنه، وبنفس الوقت فإن الشكوى لن تأخذ بعدها الصحيح، وفي أغلب الاحيان سيلجأ الموظف الى السكوت حفاظاً على عمله وعلى حفظ ماء الوجه".

إذاً حتى لو كان القانون يوجب اتباع هذا التعميم إلا أن الواقع أن فيه قمعاً للموظف ومحاولة ولو "مبطّنة" لردعه عن التقدم بالشكوى خوفاً من رئيسه!.

​​​​​​​