هنأ رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ في كلمة له أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ​ميروسلاف لايتشاك على توليه رئاسة الجمعية العامة في دورتها الحالية وأتمنى لكم التوفيق"، متوجهاً بالشكر لبيتر طومسون على "حسن ادارته للدورة السابقة" وحيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتييريس وجهوده لتفعيل دور المنظمة".

ولفت إلى "اننا اليوم في نيويورك وفي شهر أيلول وتعودنا الذاكرة 16 عاما الى الوراء عندما ضرب ​الارهاب​، ونجدد تضامننا مع عائلات الضحايا وجميع ضحايا جرائم الارهاب في العالم، هذا الحدث كان انطلاقة لحرب دولية ضد الارهاب ما لبثت ان ضاعت اهدافها واشعلت النار في العديد من الدول خصوصا في الشرق الاوسط، منها من وصلته النيران ومنها من حمل عبء النتائج وقد افرزت وغزت ابشع انواع الارهاب فمارس أكثر الجرائم وحشية ولم يفروا مدنيا طفلا كان أو امرأة أو عحوز، أو معالم ثقافية أو اثرية أو دينية".

واعتبر الرئيس عون أن "الارهاب ينقض باجرامه كل الاعراف والمواثيق الدولية، ولا احد يعرف كيف سينتهي"، مشيراً إلى أنه "مع بدء الاحداث في ​سوريا​ اضرب الوضع في ​لبنان​ وبدا واضحا انه من عداد ​الدول العربية​ التي كان مقررا لها ان تقع في براثن الارهاب، ولكنه استطاع الصمود من خلال الحفاظ على الوحدة الوطنية رغم كل الانقسام السياسي الحاد، ولم يتخطى احدا الخط الاحمر ما امن وحدة لبنان وحفظ أمنه رغم تسلل العناصر الارهابية الى بعض المناطق والقرى وتشكيلهم مجمعات مسلحة، ولكننا تمكنا من القضاء عليه، وقام جيشنا بمعركة نهائية وحقق انتصارا كبيرا على التنظيمات الارهابية وانهى وجودها العسكري في لبنان".

وأكد أن "الاعباء التي يتحملها لبنان جراء الحرب في سوريا، تفوق قدرته على التحمل ولكن ​الشعب اللبناني​ أثبت انه انساني ومسؤول، فاستقبل النازحين وشاركه لقمة العيش وسوق العمل، ما ضاعف نسبة ​البطالة​، أكثر من نصف مدارسنا الرسمية تعمل بدوامين لتمكن من استيعاب الاطفال السوريين"، مشيراً إلى أن "لبنان بلد صغير المساحة كثيف السكان، محدود الموارد، اقتصاده تاثر بازمات عدة، منها موجات النزوح التي اضافت اليه ما نسبته 50 بالمئة من السكان، أي مقابل كل لبنانيين اثنين هناك نازح او لاجئ، وارتفعت الكثافة السكنية، وكل هذا الاكتظاظ هو على مساحة 10452 كلم، ما زاد من صعوبات اوضاعنا الاقتصادية ونسبة الجريمة، والمجموعات الارهابية أتخذت من تجمعات النازحين مخابئ لها"، مؤكداً أن "هناك حاجة ملحة لتنظيم عودة النازحين الى وطنهم، والعودة الامنة".

وأضاف الرئيس عون "عودة تكون طوعية أو آمنة وفقا لسبب اللجوء، اذا إفرادي ولسبب سياسي تكون العودة طوعية اي انها تمنح للاجئ السياسي ويترك له تقدير توقيتها، اما اللجوء الجماعي بشكله الحالي فحصل لسبب أمني أو اقتصادي وهربا من اخطار الحرب، لذلك نسميه نزوحا وليس لجوءا ولم يقترن بقبول الدولة بل على شكل اجتياح سكاني".

وتابع "الادعاء أنهم لم يكونوا آمنين فهذه حجة غير مقبولة، 85 بالمئة من ​الاراضي السورية​ في عهدة الدولة، واذا كانت الدولة تقوم بمصالحات مع المجموعات المسلحة، وتترك للمقاتلين حرية الخيار بين البقاء أو الرحيل، فكيف لها مع نازحين هربوا من الحرب"، مشيراً إلى أن "النازحين يعيشون في بيئة صحية غير سليمة رغم تقديمات المؤسسات الدولية واللبنانية، ويؤلمنا ان نكون عاجزين عن تحسين أوضاعهم بسبب كثفة اعدادهم وامكاناتنا المحدوة".

وأكد أنه "على ​الامم المتحدة​ مساعدتهم على العودة الى وطنهم بل مساعدتهم على البقاء في مخيمات لا يوجد فيها الحد الادنى من مقومات لاحياة الكريمة"، مشيراً إلى أنه "بالاضافة الى النازحين هناك لاجئين فلسطينيين، و"​الاونروا​" على طريق الانهيار المالي، المجتمع الدولي بجميع مؤسساته يعجز عن توقيف ​اسرائيل​ من القيام بمستوطنات، لطالما كانت مقاربة اسرائيل للحل تقوم على القوة العسكرية وانتهاك الحقوق ولبنان خير شاهد على ذلك، فهي تخرق السيادة و​القرار 1701​، وخلال الايام الماضية قصفت الاراضي السورية من لبنان، وقامت بغارة وهمية خارقة جدار الصوت فوق صيدا، بالاضافة الى زرع أجهزة تجسسس في الاراضي اللبنانية، وهذه الانتهاكات ليست جديدة، فهذا ما دابت عليه منذ 7 عقود وهي تسجل ما لا يقل عن مئة اخرتراق بري وبحري وجوي للسيادة اللبنانية كل شهر وتعطيل دور الاونروا خطوة تهدف الى نزع صفة اللاجئ تمهيدا الى توطينه وهذا لن نسمح به لا للاجئ ولا للنازح".

واعتبر الرئيس عون أن "الحروب قضت على الافكار الاجتماعية الواعية مخربة مبادئ التعايش والتضامن وروح التسامح وقبول الاخر، وصارت منطقتنا اسيرة ​الفقر​ والحاجة، وبؤرة لمزيد من التطرف"، مشدداً على "ضرورة ان يترافق أي حل مع اجراءات اقتصادية واجتماعية كفيلة بتحقيق النمو وتحسين الاوضاع الاجتماعية بما يؤمن الحياة الكريمة".

ودعا الرئيس عون إلى "التفكير جدياً في مشروع إقامة سوق اقتصادية مشرقية مشتركة لضمان لقمة العيش في ظل الحرية"، مشيراً إلى أن "لبنان الذي يشكّل عالماً مُصغّراً بحد ذاته، سواء بتنوّع شعبِه وثقافتِه، أو بحضارتِه التي هي عصارة حضارات متراكمة منذ العصورِ القديمة، من الآرامية، لغة ​السيد المسيح​، وصولاً الى العربية لغة الرسول مروراً بالفينيقية والرومانية واليونانية واللاتينية والفارسية ووادي النيل، أضف الى ذلك أن الشعب اللبناني يجمع المسلمين بكل مذاهبهم والمسيحيين أيضاً بكل مذاهبهم، وعرف الحرب وتداعياتها والسلام وإيجابياته، وبهذه التجارب في العيش المشترك وشمولية الثقافة يستطيع لبنان أن يكون واحةً يمكن للعالم أن يلتقي فيها ويتحاور".

وتابع الرئيس عون "بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أنشئت عصبة الأمم، وهدفها الحفاظ على السلام العالمي، ولكنها فشلت، واندلعت الحرب الثانية خلال أقل من ثلاثة عقود، وبعد أن توقفت أنشئت منظمة ​الأمم المتحدة​ وكان أول أهدافها حل النزاعات سلمياً بين الدول ومنع الحروب المستقبلية"، متسائلة "هل تمكنت من تحقيق هذا الهدف؟".

ولفت إلى "الإجابة ليست صعبة، والعالم المتفجر حولنا خير جواب، إن الحرب الثالثة اتخذت شكلاً جديداً، فلم تعد حرباً بين الأمم إنما حروباً داخلية مدمّرة، وكثيرة هي الدول التي تفجّرت من الداخل لأسباب دينية أو إتنية، وبسبب التطرف ورفض حق الآخر بالوجود"، مشيراً إلى أن اللجوء الى تقسيم الدول طائفياً أو إتنياً فقطعاً ليس هو الحل، ولن يحول دون اندلاع الحروب، بل على العكس، فمن شأن هذه المقاربة أن تزيد العصبيات والتطرف والصراعات".

واعتبر الرئيس عون أن "الحل لن يكون إلا بتغيير فكري وثقافي. من هنا تبرز الحاجة ملحّةً الى مؤسسة تعنى بتربية السلام؛ إذ وحدها ثقافة سلام وسماح جديدة تعلّم مبادئ العيش معاً أو ما يسمّيه البعض "العيش المشترك" يحترم فيه الإنسان حرّية المعتقَد والرأي وحق الإختلاف، يمكنها أن تواجه ​الإرهاب​ وأن تؤسس لمجتمعات قادرة على إرساء السلام بين الشعوب والأمم، ثقافة تُقرّب الإنسان من الإنسان وتساهم في تمتين العلاقات بين المجتمعات المختلفة وتساعد على اعتماد لغة الحوار وسيلة لحلّ النزاعات".

وأضاف "دور لبنان، لا بل رسالته، هو في الحرب على أيديولوجية الإرهاب، لأن لبنان الذي يتميّز بمجتمعه التعددي هو نقيض الأحادية التي تمثلها داعش ومثيلاتها، والجهد الأساس الذي يجب أن تقوم به الأمم المتحدة هو محاربة الإرهاب فكرياً إذ لا احتواء له ولا حدود ولا جغرافيا لأنه عدوى فكرية متنقلة الكترونياً في العالم"، مشيراً إلى أنه "لكل هذه الأسباب أطرحُ ترشيح لبنان ليكونَ مركزاً دائماً للحوار بين مختلفِ الحضارات و​الديانات​ والأعراق، مؤسسةً تابعة للأمم المتحدة".

وأعرب عن أمله من الدول الاعضاء "ان يدعموا لبنان في سعيه لتحقيق هذا الطلب عندما يُعرض لنعمل معاً على تأمين ما تطمح إليه الأمم المتحدة، مؤسسةً وأمماً، من سعي الى السلام وحياة كريمة لجميع الشعوب، في عالم ينعم بالأمن والاستقرار".