بالأمس القريب، أسفرت المُزايدات السياسيّة ولعبة النكايات ومعارك المصالح بين القوى السياسيّة المُختلفة في لبنان، عن الخروج بقانون إنتخابي جديد تتمنّى أغلبيّة القوى التي صوّتت إيجابًا عليه لوّ أنّها قادرة على التخلّص منه، وذلك بعد أن قرأته بهدوء وتأنّ وقيمّت أضراره الكبيرة على نُفوذها، بعكس ما حصل خلال مرحلة إقراره والتي كانت قد تمّت بشكل عشوائي وارتجالي في ظلّ فوضى سياسيّة شاملة في حينه. وما حصل على مُستوى القانون الإنتخابي، عاد وتكرّر مع قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ حيث حاولت أغلبيّة الكتل السياسيّة الظُهور بمظهر الحريص على الإستجابة لهذه المطالب المعيشيّة المُزمنة للقطاع العام وللجسم العسكري، على أمل تعزيز نُفوذها عشيّة الإنتخابات المُقبلة، إلا أنّ قانون ​الضرائب​ الذي خرجت به السُلطة السياسيّة لتمويل السلسلة جاء بدوره عشوائيًا وارتجاليًا، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى سُقوطه بضربة قاضية من جانب المجلس الدُستوري. فما الذي سيحصل في الأيّام القليلة المُقبلة؟.

بغضّ النظر عن حجم الإضرابات التي ستحصل، وعن مدى الإلتزام بها، الأكيد أنّ المُستفيدين من الزيادات على الرواتب لن يتساهلوا إطلاقًا إزاء حُقوقهم المالية والتي تحوّلت إلى حق مُكتسب بعد إقرارها في ​مجلس النواب​، وهذه الفئة من العاملين والمُوظّفين ستُصرّ على مُكتسباتها مهما كلّف الأمر. في المُقابل، إنّ الحكومة اللبنانيّة التي وعدت على لسان وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​ باجتراح الحلّ في جلستها التالية يوم الثلاثاء المُقبل، لا يُمكنها المُماطلة والتهرّب من إلتزامات السُلطة السياسيّة دفع الزيادات على الرواتب، وأيّ قرار تاخير وإستمهال في دفعها وفق قانون سلسلة الرتب والرواتب الجديد، لن يتجاوز أكثر من بضعة أسابيع، وهو لن يمرّ مرور الكرام، بل سيُثير المزيد من الفوضى والإضرابات، حتى لو جاء تحت بند دين بذمّة الدولة للموظّفين. وما لم تُقرّر الحكومة الإستحصال على سلفة من المصرف المركزي لدفع الرواتب، فإنّها ستكون مُضطرّة للمُخاطرة بالإستقرار من خلال تأجيل دفع أموال السلسلة إلى ما بعد إصدار قوانين ضريبيّة جديدة من جانب مجلس النوّاب.

وفي كلّ الأحوال، من المُتوقّع أن تعود الضرائب وفق صيغة قانونيّة جديدة، مع العلم أنّ المُبرّرات التي إستند إليها ​المجلس الدستوري​ لإبطال قانون الضرائب الذي جرى الطعن به، ترتكز إلى حجج لا تحول دون عودة الكثير من الضرائب من الباب العريض(1)، حيث أنّ المجلس المذكور لا يُمكنه إبطال قوانين ضريبيّة في حال جرى إقرارها بشكل قانوني وخال من الثغرات، في المُستقبل. وكل المعلومات المُتوفّرة تُشير إلى أنّ باقة جديدة من الضرائب تتحضّر لتسلك طريقها القانوني في مجلس النوّاب، مع حديث مُتزايد عن نيّة برفع الضريبة على القيمة المُضافة إلى 12 % بدلاً من 11 %. ومهما كانت طبيعة الضرائب الآتية لا محالة، وبغضّ النظر إذا ما جاءت قبل إقرار المُوازنة أو ما بعدها، فإنّها من غير المُمكن ألاّ تطال الكثير من الفئات الشعبيّة من الطبقات غير المَيسورة، تمامًا كما كان جزء كبير من الضرائب السابقة التي حاولت السُلطة الإدعاء بأنّها لا تطال الطبقات الفقيرة، على الرغم من الإثباتات الكثيرة عكس ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ضريبة إضافية قدرها 2500 ليرة لبنانية على بطاقات الهاتف المدفوعة سلفًا، والمَملوكة بأغلبيّتها من قبل أشخاص بقدرات مالية مُتواضعة.

إذا، من المُنتظر أن يتم دفع السلسلة عاجلاً أم آجلاً، حيث أنّ أي تأخير في هذا السياق لن يكون قابلاً للحياة لفترة طويلة. ومن المُنتظر أيضًا أن يُقرّ مجلس النوّاب في الأسابيع القليلة المُقبلة باقة جديدة من الضرائب التي ستطال كل فئات المُجتمع، مهما حاولت السُلطة تجميلها. ومن المُنتظر كذلك الأمر عند حُصول كل من هذين الأمرين المذكورين أعلاه، أن يأتي دور العاملين ب​القطاع الخاص​ لرفع الصوت وللإعتراض على تآكل رواتبهم الضعيفة أصلاً، وعلى تراجع قدراتهم الشرائية أكثر فأكثر، حيث يُنتظر أن تُطالب الهيئات المُمثلة للقطاع الخاص في المُستقبل القريب بزيادات على رواتبها، علمًا أنّه من المُستحيل الإستحصال على زيادات مُماثلة لتلك التي نالها العاملون في ​القطاع العام​، نتيجة الوضع الإقتصادي غير السليم والتباطؤ في النموّ، إضافة إلى قُدرة أرباب العمل في القطاع الخاص على رفع سيف التهديد بالطرد بوجه العاملين لديهم من دون توفّر أي حماية قانونيّة تُذكر لهؤلاء.

وفي الخلاصة، يُمكن القول إنّ الإرتجال هو سيّد الموقف في قرارات السُلطة السياسيّة الأخيرة، والفوضى هي السمة الغالبة على التعامل مع قرار المجلس الدستوري... والشيء الوحيد الأكيد أنّ الضرائب عائدة ومن الباب العريض!

(1) منها مثلاً أنّ التصويت في مجلس النواب لم يحصل بالمُناداة على النواب بأسمائهم، وأنّ الإجراءات الضريبيّة المُستحدثة لتمويل السلسلة يُناقض شموليّة المُوازنة، وأنّ بعض الضرائب تحمل إزدواجًا ضريبيًا ينقض مبدأ المُساواة بين اللبنانيّين... وكلّها مُخالفات للقوانين اللبنانيّة.