حتى ولو كان ​حزب الله​ يعطي الأولوية منذ يوم الخميس الماضي للاجراءات الأمنية المتخذة في المناطق المحسوبة عليه والتي تستضيف مجالس ​عاشوراء​، فان هذه الأولوية ستتراجع خلال الايام القليلة المقبلة، لتتصدر أجندته أولويتان بدأ يمهد لهما منذ فترة: تطبيع العلاقات مع النظام السوري وفتح ملف اعادة اللاجئين السوريين على مصراعيه.

ولا شك ان الزيارات المتتالية لعدد من الوزراء المحسوبين على ​قوى 8 آذار​ كانت أبرز مؤشر في هذا السياق، الا ان اللقاء الذي جمع وزيرا خارجية لبنان وسوريا ​جبران باسيل​ و​وليد المعلم​ في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العمومية، كان الأشد تعبيرا عن دخول البلاد مرحلة اللاعودة في مسار التطبيع، وان كانت هذه العملية تتم بعيدا عن قرار حكومي موحد في هذا المجال، لا بل على وقع انقسام علني حاد، عبّر عنه بوضوح وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ الذي ذهب الى حد وصف لقاء باسيل-المعلم بـ"الاعتداء سياسي على رئيس الحكومة"، متوعدا بالرد عليه.

الا ان مصادر في قوى 8 آذار مقربة من حزب الله، تبدو مطمئنة الى ان سلوك مسار التطبيع، لا يهدد العمل الوزاري واستمرارية الحكومة حتى ولو كان يرفع منسوب التوتر في البلد، لافتة الى وجود "تقاطع مصالح غير مسبوق بين تيار "المستقبل" وحزب الله كما بين باقي الفرقاء، يقضي بالحفاظ والتمسك بهذه الحكومة التي هي لرئيسها ​سعد الحريري​ خشبة الخلاص، التي، لا يمكن ان يتخلى عنها تحت اي ظرف كان، لاقتناعه بأن فرصة ترؤسه حكومة جديدة قد لا تكون متوفرة، أضف الى كونها لحزب الله أفضل حكومة مرّت عليه منذ سنوات، حتى وان قارنّاها مع حكومة ​نجيب ميقاتي​ التي سُمّيت بوقتها حكومة الحزب".

وتؤكد المصادر ان الحزب راضٍ تماما على أداء الحكومة ورئيسها، "فما تحقق في الجرود الشرقية ما كان ليحصل بالسلاسة التي تمت فيها، حتى ولو كانت احدى الشخصيات المحسوبة على الحزب تترأس مجلس الوزراء، وبالتالي فانّه مستعد تماما لغضّ الطرف عن كل المواقف العلنيّة المهاجمة لعمليّة التطبيع، وحتى عن رفض رئيس الحكومة سعد الحريري القيام بأي خطوة في هذا المجال، طالما هو لا يقوم بهجوم مضاد وباتخاذ خطوات عملية من شأنها أن تؤثر على هذا المسار الذي سيمهد لاعادة النازحين السوريين ولدخول لبنان لاعبا أساسيا في مرحلة اعادة اعمار سوريا".

وتعتقد المصادر ان الحريري "بدأ فعليا يعيد حساباته طمعا بأن يكون لمحسوبين عليه الدور في اعادة الإعمار، لذلك يبدو مترويا ومتفهما وان كان بين الحين والآخر يجد نفسه مضطرا لاتخاذ مواقف حادّة، او توكيل المشنوق او غيره باتخاذها، خوفا على ما تبقى له من أصوات انتخابية قبل أشهر معدودة من الاستحقاق النيابي". وتضيف المصادر: "حزب الله بدوره يتفهم تماما ان لا قدرة للحريري على القيام بأكثر مما يقوم به، وبالتالي لن يطلب منه المزيد في المرحلة الراهنة".

إذًا، هي سياسة "النعامة" يعتمدها تيار "المستقبل" لتمرير التطبيع مع النظام السوري، الذي بات يتخذ منحى رسميا بعد تحوله الى مستوى وزراء الخارجية. ويبقى الهاجس الرئيسي للتيار الأزرق، أن يرتفع مستوى التطبيع ليصل الى موقع رئاسة الجمهورية ليقوم الرئيس العماد ​ميشال عون​ بزيارة دمشق... زيارة قد لا تكون حاصلة في المدى القريب لكنّها لا شك ستحصل في وقت ما.