لم ينتبه سياسيون الى أبعاد ما صرّح به وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ منذ أيام في تهجّمه على لقاء وزيري خارجية لبنان ​جبران باسيل​ وسوريا ​وليد المعلم​ في نيويورك. قلة في لبنان كانوا يقرأون في البعد الآخر لكلام المشنوق، ويرون فيه الاشارة الاولى التي تمهّد لفك الارتباط السياسي بين تياري "المستقبل" و"الوطني الحر"، أو على الاقل تحذّر "العونيين" من المضي بتحالفهم مع "​حزب الله​"، ترجمة لطلب سعودي بلمّ شمل قوى "​14 آذار​" أولا"، وكسر تمدد الحلف السوري-ال​ايران​ي الذي يتردد صداه في السياسة اللبنانية. الهدف عند السعوديين هو احباط توسع الحلف المذكور بالتصويب على "حزب الله"، بموازاة عقوبات اميركية على الحزب ورفع واشنطن سقفها تجاه ايران وحلفائها.

لم تأت اشارة "المستقبل" من رئيس الحكومة سعد الحريري، بل أتت من المشنوق، لأسباب عدة: محاولة الحريري تحييد نفسه الآن كرئيس للحكومة عن الصدام مع باسيل، خصوصا بعد تقدم العلاقة بين الفريقين الى حدود التحالف الحكومي وتوزيع المحاصصات والتحضير للتحالف السياسي.

جاء تهجم المشنوق تحذيرا لباسيل للابتعاد عن الحلف السوري-الايراني، تحت طائلة التخلي عن التحالف معه، قبل أن ينخرط الحريري شخصيا في الحملة المقبلة خلال فترة الانتخابات النيابية.

العلاقة المباشرة بين وزير الداخلية والمسؤولين السعوديين، وارتباط المشنوق العميق مع رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ الذي لم يتراجع يوما عن خطابه وموقعه رغم تفاهمه مع "العونيين". هناك من تحدث أيضا عن أن خطاب جعجع العالي النبرة في حفل "ذكرى شهداء القوات" كان بناء على معلومات وصلت الى معراب "عن رغبة خليجية عربية لرصّ الصفوف اللبنانية في الانتخابات ضد حلفاء سوريا وايران".

جاءت زيارتا جعجع ورئيس حزب "الكتائب" ​سامي الجميل​ الى المملكة العربية السعودية بشكل مفاجىء، تكمل عمليا المسار الذي ظهّرته تغريدات وزير الدولة السعودي ​ثامر السبهان​ ضد "حزب الله"، لمنع استثمار الحزب الانتصارات التي حصلت ضد الارهابيين في الحدود الشرقية او في المعارك السورية التي تصب لصالح دمشق. ستترجم الرياض ذلك بمحاولة لم شمل قوى "14 اذار" وعدم تمويل أي حزب بالمفرق في الانتخابات، بل بالجملة.

حديث الجميل يدور حول الحرب السياسية التي شنتها مكونات "14 اذار" على "الكتائب"، وابعاده من قبل تيار "المستقبل" وحزب "القوات" عن الحكومة، مقابل التحالف مع "العونيين". هنا محور القوّة في كلام "فتى الكتائب" أمام السعوديين، وهو يواجه وحده "العونيين" المتحالفين مع "حزب الله".

حديث جعجع يدور حول التصلب "القواتي" في مواجهة "حزب الله" والحلف الايراني-السوري، خصوصا أن رد جعجع على من ينتقده بالتفاهم مع "العونيين" وترشيح العماد ​ميشال عون​ للرئاسة، بأن خطوته أتت في وجه ترشيح الحريري لحليف سوريا الاساسي في لبنان النائب سليمان فرنجية.

كلاهما، جعجع والجميل يملكان من القدرة السياسية التي تجعل السعودية تراهن عليهما مسيحيا في لم شمل قوى "14 اذار"، وفك الارتباط "القواتي" اليتيم مع "العونيين". للطرفين مصلحة تتجسد اولا في ضرب التحالف بين الحريري وباسيل، لاضعاف الاثنين معا. لكن، فلنفترض حصول ذلك. كيف ستكون النتيجة؟ وأين الحصاد السياسي؟ اول الخاسرين سيكون باسيل، الذي راهن على امساك العصا من وسطها، فهو واثق من عمق التحالف مع "حزب الله"، وبنى علاقة وثيقة جدا مع الحريري، وتفاهم مع جعجع. اليوم يأتي زمن اتخاذ الخيار بين حلف وآخر: اما مع حلفاء ايران وسوريا، واما مع حلفاء المملكة.

من هنا أتى هجوم المشنوق على باسيل كاشارة اولى غير قابلة للاخذ والرد، فيما يتوقع مراقبون أن تزداد المحطات السياسية الفاصلة خصوصا بعد زيارتي جعجع والجميل الى السعودية، وما يتبعها من مواقف، فيما ترصد العيون الحريري. متى يلتحق بالحملة؟ ام انه سيميز نفسه بسبب موقعه في رئاسة الحكومة-على الاقل حتى زمن الحملات الانتخابية المقبلة الحامية؟.