تدرك المملكة العربية السعودية أن موعد التسويات على مستوى منطقة ​الشرق الأوسط​ يقترب، بالرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة بين الأفرقاء الدوليين والإقليميين، لا سيما بعد ما نُقل عن لسان وزير خارجيتها ​عادل الجبير​، بالنسبة إلى بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، لكنها في المقابل لا تريد أن ينعكس ذلك على التوازن القائم على الساحة ال​لبنان​ية منذ العام 2005.

إنطلاقاً من ذلك، لم تُمانع ​الرياض​ ​التسوية الرئاسية​ التي قادت إلى إنتخاب ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى ​رئاسة الحكومة​، على أمل أن يساهم ذلك في إبعاد عون عن المحور السوري-الإيراني، لكن هذا الأمر لم يحصل ما دفعها إلى التعبير عن إمتعاضها في أكثر من مناسبة.

في هذا الإطار، تضع مصادر سياسية مطلعة، عبر "​النشرة​"، الزيارة التي قام بها وزير الدولة السعودي لشؤون ​الخليج​ ​ثامر السبهان​ إلى لبنان مؤخراً، من دون أن يقدم على زيارة ​القصر الجمهوري​، ومن ثم إطلاقه مواقف تصب في خانة إعادة التصعيد على الساحة المحلية، من خلال تخيير اللبنانيين بين الوقوف إلى جانب "حزب الله" أو ضده.

وتشير المصادر نفسها إلى أن جولة اللقاءات، التي تحصل في المملكة في الوقت الراهن، جاءت بعد مواقف رئيس الجمهورية من التنسيق مع ​سوريا​ لتأمين عودة النازحين إلى بلادهم، بالإضافة إلى لقاء وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مع نظيره السوري ​وليد المعلم​، وتضيف: "هي مؤشر على الإمتعاض السعودي من مواقف عون بالدرجة الأولى، خصوصاً أن الرياض لا تريد إضعاف نفوذها في بلاد ​الأرز​، وبالتالي لا يمكن أن تقبل بإعادة العلاقات بين ​بيروت​ ودمشق قبل جلاء الصورة على مستوى المنطقة، بالرغم من سعي زوارها إلى وصفها بالعادية والطبيعية".

وتلفت هذه المصادر إلى أن الجانب السعودي يشعر بأن لبنان الرسمي يقترب أكثر فأكثر من إعادة العلاقات مع الحكومة السورية إلى سابق عهدها، ولا تخفي أن الغضب لا يقتصر على فريق رئيس الجمهورية بل يشمل أيضاً فريق رئيس الحكومة نفسه، نظراً إلى أن الرياض تراهن عليه لمنع حصول هذا الأمر مهما كان الثمن، فهي لا تقبل التسليم بالنظرية التي تقول بأن المحور الآخر انتصر في المعركة، بل تُبشر بأن العمل في المرحلة المقبلة سيكون على محاصرة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

وتشدد هذه المصادر على أن ما تريده الرياض، اليوم بشكل أساسي، هو إبقاء الوضع على ما هو عليه على مستوى علاقات لبنان الخارجية، على أساس القاعدةنفسها التي تمت بموجبها التسوية الرئاسية، وتؤكد بأن الدور السعودي على الساحة المحلية سيشهد تطوراً لافتاً في المرحلة المقبلة لتحقيق هذه الغاية، وتضيف: "المملكة تدرك أكثر من غيرها أنها لا تستطيع السيطرة على القرار اللبناني بشكل كامل، لكنها في المقابل لا تريد أن يقوم بذلك الفريق الآخر نتيجة تراخي حلفائها".

وعلى الرغم من أن هذه المصادر لا تزال تؤكد أن خيار إستقالة رئيس الحكومة أمر مستبعد حتى الساعة، لا تستبعد هذا السيناريو من دائرة الخيارات في حال تصاعدت الضغوط عليه، خصوصاً إذا ما قررت قوى الثامن من آذار الذهاب بعيداً في توجهها على مستوى العلاقة مع دمشق، وترى أن من الأفضل بالنسبة إليه أن يخوض الإنتخابات من خارج السلطة، على أن يخوضها وهو على رأس حكومة تنسق مع نظيرتها السورية، في ظل حالة الإحتقان التي تسيطر على قاعدته الشعبية منذ سنوات.