بعد اكتمال العام الثاني على التدخل الروسي العسكري في سورية ونجاحه في ضرب البنية اللوجستية الأساسية للتنظيمات ​الإرهاب​ية المدعومة من ​أميركا​ وأعوانها من ​دول الخليج​، انقلب المشهد العسكري والسياسي في سورية والمنطقة وخصوصاً بعد استعادة ​الجيش​ العربي السوري والحلفاء زمام المبادرة في الميدان العسكري، ما عزز من قوة ​الدولة السورية​ وسمح لها بأن تكون الرقم الصعب وحجر الزاوية في أي معادلة إقليمية وعالمية جديدة.

لا شك بأن المساندة الروسية في سورية كان لها الأثر البالغ في ضرب الإرهاب، ما أفقد أميركا و​إسرائيل​ الركيزة الأساسية التي اعتمدتها الإدارة الأميركية واستعملتها كأداة رئيسية لتنفيذ مآربها وتحقيق مخططاتها الهادفة إلى تمزيق المجتمع العربي وتفتيت المنطقة العربية وتحويلها إلى مكونات قائمة على الإثنية والعرقية.

بعد النتائج اللافتة التي تحققت في ضرب الإرهاب ومع دخول المنطقة في معادلة جديدة، اعتقد البعض أن أميركا وحلفاءها انكفأت عن المنطقة وأن إسرائيل لن تتجرأ على محاولة قلب المعادلة، بيد أن أميركا وإسرائيل المدعومة من بعض دول الخليج، أعلنوا أن الجعبة الأميركية الإسرائيلية لم تزل تمتلك الأدوات اللازمة والكفيلة بتنفيذ المخطط الجهنمي القاضي بتفتيت الوطن العربي ابتداء من ​العراق​.

إن إصرار ​مسعود بارزاني​ على إجراء استفتاء انفصال ​إقليم كردستان​ عن العراق، لم يأت من فراغ ولا بهدف تحسين أوضاع الكرد ولا تلبية لنداءات الشعب الكردي.

وبغض النظر عن نتائج الاستفتاء الذي لم يخضع لأي رقابة دولية أو أممية، فإن إجراء الاستفتاء بهذا الوقت الحساس وفي ظل ثبات محور المقاومة في مواجهة الإرهاب ومخطط التفتيت وإعادة تشكل القوى الصاعدة في المنطقة، جاء تلبية لطلب تل أبيب وبتأييد مطلق من أركان العدو الإسرائيلي وبدفع أميركي وتأييد وتمويل بعض دول الخليج، وذلك تعويضاً عن الخسارة الأميركية الفادحة لمعظم أوراقها وأدواتها في المنطقة واللجوء إلى تبديل الغطاء والوجوه، ومع إخفاق مشروع الإرهاب الذي استعمل بهدف تشريد شعبنا وتفكيك مجتمعنا وتفتيت الوطن العربي، والعمل على إبقائنا كأمة عربية تساوي صفر المعادلة في النظام العالمي ليبقى العدو الإسرائيلي القوة المهيمنة عسكرياً وتبقى أميركا القوه الناهبة السارقة لخيرات منطقتنا وشعبنا العربي.

سواء أعلن انفصال إقليم كردستان عن العراق أم لم يعلن، بيد أن الأمر الجلي هو أن استهداف أميركا بالتكافل والتضامن مع العدو الإسرائيلي ومع الأنظمة الرجعية لمنطقتنا ولأمتنا العربية لن يتوقف وسيستمر ما دام استمر التواطؤ والتخاذل العربي بالجنوح نحو إبرام صفقة العصر مع العدو الإسرائيلي بهضم القضية ال​فلسطين​ية، وإلغاء حق ​الشعب الفلسطيني​ في العودة إلى وطنه فلسطين والعمل على توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم كلاجئين.

إن بعض الأنظمة العربية الرجعية المتواطئة مع الإدارة الأميركية ضد فلسطين وضد مصالح الشعب العربي تعتبر أن العدو الرئيسي هو النظام ال​إيران​ي وكل من تحالف معه في محور المقاومة، ومن هذا المنطلق تشهد المنطقة محاولة جدية لإبرام صفقة أميركية خليجية مشبوهة مع العدو الإسرائيلي تفضي إلى قبوله بإعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم تمهيداً للانطلاق نحو التطبيع وعقد الصلح مع العدو الإسرائيلي، وكل ذلك بهدف تمهيد الطريق أمام القضاء على ​القضية الفلسطينية​ وبذلك يفرض العدو الإسرائيلي نفسه كحليف لتلك الأنظمة العربية الرجعية كالحلف مع أميركا في مواجهة محور المقاومة في المنطقة.

إن إنشاء الكيان الصهيوني جاء تلبية لوعد بريطانيا، أما الكيان الكردي المزمع إنشاؤه في ​شمال العراق​ فهو يأتي تلبية لوعد إسرائيلي وذلك بهدف تسويغ وجود هذا الكيان الصهيوني في وسط الوطن العربي، وأيضاً لإنشاء العقدة الكأداء في وسط طريق حلف المقاومة الممتد من إيران إلى العراق إلى سورية ​العروبة​ مروراً ب​لبنان​ المقاومة وصولاً إلى فلسطين المغتصبة.

الإشارة الروسية الواضحة التي أطلقتها ​وزارة الدفاع الروسية​ بأنها تمتلك الدليل الواضح عبر صور الأقمار الاصطناعية تدل على مشاركة القوات الأميركية بدعم ونقل قادة الإرهاب من العراق إلى سورية بوساطة الطوافات الأميركية، وهذا دليل واضح على إصرار أميركا ومن معها على استمرار استهداف سورية والمنطقة العربية من خلال اللعب بآخر ما يمتلكون من أدوات.

صحيح أن ما تحقق حتى الآن في محاربة الإرهاب من الناحية الميدانية يعتبر إنجازاً مهماً وكبيراً، وقد كلفنا الكثير من الدماء والدمار والشهداء وتشريد الملايين من شعبنا العربي ومكوناته، إلا أن الانجاز الأهم هو إيجاد الأساليب الكفيلة في تعزيز سبل مواجهة المشاريع الأميركية الصهيونية التي تستهدف المنطقة وشعوبها والتوجه نحو إعلام مسؤول للكشف عن النيات التخريبية المعدة للمنطقة وشعوبها، وأيضاً للتوجه نحو استثمار الأدمغة والعقول في إجراء عملية بحث جدي يرسم مستقبل أجيالنا بعيداً عن أي مآرب شخصية أو فئوية وذلك انطلاقاً من مصلحة قومية تحمي مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة وجعلها أجيالاً منتجة علمياً وثقافياً وتكنولوجياً مؤمنة بالانتماء للوطن وللهوية العربية تؤهلنا بالاتكال على قوانا الذاتية وعلى استثمار ثرواتنا في مجال التطور والبحث والتقدم العلمي، ما يؤهلنا إلى رفض أي معادلة إقليمية أو دولية لا تتماشى ومصالحنا الوطنية العليا وتجعلنا أمة لا وجود لها ولا تعادل شيئاً.

وحتى لا نكون صفر المعادلة، فإن صمودنا في بلادنا العربية والدفاع عن وحدتها الجغرافية ومقاومة الاحتلال لأرضنا العربية ومواجهة ما يخطط لنا وتمسكنا بهويتنا والعمل على حماية مكوناتنا وحضارتنا وثقافتنا وثرواتنا وبذل الجهد في تأمين مصالح شعوبنا وأجيالنا القادمة، كفيل بأن يجعل من أمتنا العربية الرقم الصعب في أي معادلة.