كثيرة هي قضايا الفساد التي يمكن التطرّق اليها، وما أكثرها في ​لبنان​ الذي ينخر وباء الرشاوى، هدر المال العام والمحسوبيات جسمه، في وقت كانت فيه حركة الاجهزة الرقابية والقضائية هادئة إن لم تكن "ميتة".

"فضيحة" مدويّة خرجت الى العلن وضجّ بها ​مرفأ صيدا​ بعد اصدار هيئة التأديب العليا قرارا قضى بعزل مدير الاستثمار في المرفأ والحجز على ممتلكاته... هذا الحكم أعلن رسمياً عن عودة الحياة الى هذه الاجهزة بعد سنوات من الغياب!.

في تفاصيل القضية، انه في العام 1996 قام وليد بعاصيري الذي يشغل منصب مدير الاستثمار في مرفأ صيدا، بطلب سلفة خزينة بقيمة ملياري ليرة ونصف ولم يسدّدها حتى تاريخنا هذا، ومذ ذلك الوقت نامت القضية في الأدراج ولم يسأل عنها أحد، الى حين حوّلها ​التفتيش المركزي​ بتاريخ 06/11/2010 وبموجب قرار يحمل رقم 123/2010 الى ​الهيئة العليا للتأديب​، بسبب ارتكابه مخالفات مالية وادارية مما تسبب بالحاق الضرر والخسارة في المالية العمومية.

تشير المصادر القضائية الى أنه "وبتاريخ 30/11/2012 عقدت الهيئة العليا للتأديب اجتماعا سريا درست فيه القضيّة وتبين من الملف وبنتيجة التحقيقات ارتكابات عديدة بحق بعاصيري أبرزها عدم حضوره الدائم الى مكتب مصلحة صيدا، عقد نفقات ومحروقات لسيارات الادارة بمبالغ تفوق الحدّ المعقول، الاستحصال على حاسوب منقول، عدم مسك سجلات للاصول الثابتة ومحاسبة المواد وعدم اعداد التقارير الفصلية والسنوية وعدم تلزيم اعمال التدقيق، تجزئة وعقد نفقات عن طريق لجان شراء واستلام مشكّلة بصورة مخالفة للقانون، والأهم من هذا كلّه عدم تسديد سلفة الخزينة المعطاة له منذ عام 1996 بقيمة مليارين ونصف المليار ليرة لبنانية".

وأشارت المصادر في هذا السياق الى أن "المخالفات المرتكبة بحقّ بعاصيري وصلت الى الهيئة العليا للتأديب من التفتيش المركزي وهو باشر التحقيق بها، وقبل إصدار الحكم النهائي بحقّه والذي قضى بعزله ومصادرة ممتلكاته، حاول بعاصيري إيجاد مخرج ملائم فتعهّد بتسديد مبلغ قيمته 150 مليون ليرة شهرياً حتى تسديد سلفة الخزينة التي تبلغ قيمتها مليارين ونصف"، وهنا تلفت المصادر الى أن "هذا الحلّ لم يتم القبول به كون هذه الأموال تعود الى العام 1996 وهي استحقّت في العام 1997 ومددّ له في الدفع الى العام 1998، وكان على التفتيش المركزي و​ديوان المحاسبة​ و​وزارة الاشغال​ كونها هي المسؤولة عن المرفأ وبعاصيري أن تتابع الموضوع ولكن هذا لم يحصل في حينه".

في أي بلد أوروبي يُقال الوزير ويدخل السجن إذا ما ارتكب مخالفة بسيطة، ولكن في لبنان يبقى الموظف في منصبه وهو يهدر المال العام سنوات وسنوات، ولو لم تتخذ الهيئة العليا للتأديب قرارها اليوم، لكانت طارت على الخزينة وعلى الدولة سلفة المليارين ونصف، هذا اذا لم نتطرق الى المخالفات الاخرى المرتكبة والتي وحدها تستحق عقوبة السجن. "ولأنه لم يبقَ أمام بعاصيري سوى عام حتى يبلغ السنّ القانوني ويحال الى التقاعد، وفي حال تم ذلك فإنه لا يعود بالامكان استعادة الاموال سواء عبر حجز رواتبه أو تعويضاته التقاعديّة"، لذلك طلبت الهيئة العليا للتأديب، وبحسب المصادر، في كتاب من وزارة الاشغال كفّ يد بعاصيري واخراجه من المرفأ، كما حجزت "​وزارة المالية​" على رواتبه وتعويضاته وأملاكه قبل احالته على التقاعد، وسعياً منها لاستعادة أموال الدولة. وأمام هذه المسألة حملت "​النشرة​" هذا السؤال الى وزارة المالية للاستفسار عن الاجراءات التي اتخذتها لتحصيل الاموال، فشرحت مصادرها أن "الوزارة اتخذت الاجراءات اللازمة فأصدرت تعميماً الى ​مصرف لبنان​ طلبت فيه منه عدم السماح لبعاصيري بتحريك أي من حساباته، كما وأصدرت أمراً بتحصيل الأموال المذكورة منه".

أما وزارة الاشغال التي توجهت "النشرة" اليها بالسؤال نفسه فكان جوابها أن "الوزارة أرسلت كتاباً الى بعاصيري تعلمه فيها بكفّ يده عن العمل، لكنه لم يردّ على الكتاب". وهنا تسأل مصادر مطلعة "ماذا يعني أن وزارة الاشغال أرسلت كتابا ولم يردها الجواب"، وتشرح أن "من حق وزارة الاشغال أن تستدعي الشخص المعني وتكفّ يده عن العمل وتنفذ الحكم بحقّه. وتشير المصادر الى أنه "في ظلّ الاجراء المتخذ من المالية فإنه لن يعود باستطاعة بعاصيري أن يتخذ أي قرار مالي في المرفأ وحتى لن يستطيع الموظفون هناك قبض رواتبهم وبالتالي فإن هذا الامر سيؤدي الى مشكلة في المرفأ، وفي النهاية سيضطر وزير الاشغال الى عزل بعاصيري وتكليف آخر بتولّي المهام مكانه تسهيلاً لسير للعمل".

وصلت هذه القضية الى خواتيمها نتيجة جهد مشترك بين وزارة ​مكافحة الفساد​ والأجهزة الرقابية والقضائية، ليبقى السؤال هل ستستجيب بقية الوزارات وهل ستؤدي هذه الحركة التي بدأت الى انتظام الحياة في الادارات العامة؟!.

​​​​​​​

​​​​​​​

​​​​​​​