لم تكد تمضي ساعات قليلة على الكلمة التي القاها الامين العام ل​حزب الله​ السيد ​حسن نصر الله​ لمناسبة ذكرى عاشوراء، والتي حذر فيها اسرائيل من القيام بأي عمل متهور على غرار شن حرب قد لا تعرف كيف ستكون نهايتها بالنسبة اليها، حتى اطل وزير الدفاع الاسرائيلي ​افيغدور ليبرمان​ ليعلن كلاماً فاجأ جميع الاوساط المحلية والاقليمية.

المفاجأة تمثلت بإعلان ليبرمان ان الرئيس السوري بشار الاسد قد انتصر وان دولاً كثيرة اوروبية وعربية وسنّية معتدلة بدأت تقترب من النظام السوري. صحيح انه ليس غريباً ان يصدر مثل هذا الكلام عن رجل سياسي، ولكن من الغريب ان يصدر تحديداً من احد اركان ​الحكومة الاسرائيلية​ من جهة، ومن شخص اشتهر بأنه يميني متطرف لا يقنع بالخسارة بسهولة، من جهة ثانية.

وكان وقع هذا الموقف اكبر لان الكثيرين توقعوا ان يرد ليبرمان على كلام نصر الله من باب العداوة القائمة على الصعيدين الشخصي والعقائدي، وان يتولى –بصفته وزير الدفاع الاسرائيلي- توجيه التهديدات والتحذيرات واطلاق امواج من الجمل والافكار التدميرية التي ستدفع اسرائيل "الى اعادة لبنان سنوات الى الوراء" وفق ما كان يهدّد به المسؤولون الاسرائيليون كل مرة. لكن ليبرمان اكتفى باعلان انتصار الاسد، وطلب الحماية الاميركية عبر حثها على التدخل بشكل اكبر في المنطقة، ووضع اسرائيل في مواجهة مع ​روسيا​ و​ايران​ وحزب الله و​تركيا​...

يؤشر كلام ليبرمان الى ان اسرائيل اليوم باتت امام واقع جديد لا تجد فيه نفسها في موقع المسيطر ان على الصعيد السياسي او على الصعيد العسكري، فالتحالفات القائمة بين روسيا وايران وتركيا، كفيلة بتشكيل خطر حقيقي على خططها وبرامجها السياسية والامنية التي لطالما خططت لها لدول المنطقة، والتواجد الروسي الميداني ليس عنصراً مطمئناً لاسرائيل رغم التفاهم الكبير القائم مع الروس، لكن موسكو ليست ​واشنطن​ وما يصلح مع الولايات المتحدة لا يصلح مع روسيا، فلا وجود لوبي اسرائيلي ضاغط، ولا خوف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مستقبله السياسي.

هذا من جهة، اما من جهة اخرى فالتراجع الاميركي في المنطقة فتح الباب واسعاً امام روسيا لتوسيع نفوذها، ما جعل قيام التفاهم الاقرب الى التحالف التركي-الايراني والعراقي-الايراني يشكل خطراً على اسرائيل، ليس من باب هاجس اجتياحها او انهاء وجودها، إنّما من باب تقليص نفوذها وسيطرتها في المنطقة وقدرتها على خلق القلاقل في دول الجوار. ويأتي هذا الواقع المرير بالنسبة لاسرائيل في وقت تعيش في الداخل قصة رعب مخيفة، تتمثل بتحالف حركتي "فتح" و"حماس" مع امكان ان يعيش هذا التفاهم لفترة غير قصيرة اذا ما صدقت النيات وصحت التوقعات.

وفي وقت كانت نبرة الامين العام لحزب الله تشير بوضوح الى استعداد للمواجهة، كانت نبرة ليبرمان تعطي انطباعاً وكأن اسرائيل غير راغبة (او قادرة) على الدخول في حرب، وانها باتت تعلم انه لا يمكنها حتى التهويل، وان اي مخاطرة من حجم اندلاع حرب، سيترتب عليها دفع ثمن باهظ جداً في ظل الواقع السياسي المستجد، والواقع الميداني الذي يتخوف فيه الاسرائيليون من "تغلغل" حزب الله الى داخل الاراضي الاسرائيلية ونقل المعركة الى الداخل، مع كل ما يعنيه ذلك من كابوس حقيقي للمسؤولين الاسرائيليين، الذين، وعدوا ناخبيهم انهم سيؤمنون الحماية لهم ويقومون بكل ما من شأنه الحفاظ على امنهم، وسيشكل الوصول الى الداخل الاسرائيلي سابقة فريدة من نوعها منذ سنوات عديدة.

لم يكن الردّ الاسرائيلي على نصرالله متوقعاً بهذه الطريقة، فيما تبرز معطيات مفادها ان الاسرائيليين باتوا اقرب الى الاستماع الى المنطق والواقع، وان مبادرة السلام العربية التي طرحت على الطاولة قد تشكل مخرجاً مشرفاً لهم، ولو انه من المبكر بعد الحديث عن مثل هذا التوجه، الا ان المؤكد ان اسرائيل ستعمد الى كسب اكبر عدد ممكن من الاوراق كي تبقي صورتها القوية في المنطقة، وهو أمر لا يعارضه الروس او اي دولة كبرى.