تستخدم ​قوى الأمن الداخلي​ في ​لبنان​ تعابير مُعيّنة لتحديد أسباب ​حوادث السير​ على الطرقات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سرعة، إنزلاقات، عطل ميكانيكي، مصدر إلهاء، إلخ. وهي تعتمد الأسلوب نفسه في وصف المشاكل والخلافات بين المواطنين وفق تعابير مُحدّدة أيضًا. ومن أبرز هذه التعابير، نذكر عبارة "خلاف على أفضليّة مرور" وهي عبارة مَطّاطة تُستخدم في وصف عشرات حالات الخلافات بين المُواطنين على الطرقات بشكل غير عادل ولا مُنصف، ويُساوي بين الضحيّة والجلاد، ويستدعي الإستهزاء بأشخاص يقعون ضحايا "زعران الطريق". وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

أولاً: في حال تجاوز أحد السائقين إشارة مرور حمراء اللون مُعترضًا طريق من يقود في مساره الطبيعي وإشارته الضوئية خضراء اللون، ووقع حادث سير ثم تلاسن في الكلام بين الإثنين وربما تطوّر إلى تضارب، لا يُمكن وصف ما حصل بأنّه خلاف على أفضليّة المرور على الإطلاق. فحقّ المرور هو لصالح من إشارته الضوئية خضراء، وإعتراضه من قبل شخص أزعر بلا أخلاق، ويفتقر إلى أصول القيادة السليمة بشكل يُعرّض كل مُستخدمي الطرقات لأخطار جسيمة على صعيدي الأرواح والماديات، لا يَعني على الإطلاق أنّ الإثنين مُذنبان. ففي الدول الغربية والمُتحضّرة في حال حُصول هكذا مُخالفة مُروريّة خطيرة، يتم توقيف السائق الذي تجاوز الإشارة الضوئية الحمراء فقط لا غير، وتجريده من دفتر السوق، وفرض غرامات مالية كبيرة، إضافة إلى سجنه في حال كان يقود تحت تأثير أي مُسكّر أو مُخدّر أو في حال تسبب بإصابات، علمًا أنّ قساوة العُقوبات تختلف حسب البلد المعني وقوانينه المُطبّقة.

ثانيًا: في حال توقّف مجموعة من السيارات في رتل مُتتال ومُنظّم في إنتظار الحُصول على حق العُبور على تقاطع مُعيّن، وقيام أحد السائقين الزعران بتجاوز الجميع عبر خط ثان غير قانوني، أو حتى عبر القيادة على الرصيف أو خارج الإسفلت في حال كان الأمر مُمكنًا، ومن ثم السعي للدُخول إلى أوّل خط الإنتظار عبر مُزاحمة السيارات الطليعيّة بشكل هُجومي، ووُقوع خلاف بينه وبين هؤلاء، فعندها لا يُمكن نسب الإشكال تحت خانة "أفضليّة المرور"، لأنّ هذه الأفضليّة محسومة في قانون السير اللبناني وفي قوانين السير العالمية، ومُخالفتها لا تجعل من المُخالف العديم الأخلاق مُتساويًا مع السائق القانوني على الإطلاق.

ثالثًا: في حال القيادة عكس وجهة السير والتلاسن مع سائقي السيارات الآتية بوجهتها الصحيحة والقانونية حسب إشارات المرور في أحد الشوارع، ووقوع إشكال بين سائق السيارة الطليعيّة وسائق السيارة المُندفعة بعكس وجهة السير بسبب إستحالة المرور من دون رجوع أحدهما إلى الخلف لكامل الشارع، فهذه الحال أيضًا لا تنطبق عليها مَقولة "خلاف على أفضليّة المُرور"، لأنّ الحق واضح ومكفول بالقانون أوًلاً وبالأخلاق والذوق ثانيًا، ما يستوجب التشهير بالسائق المُخالف والأزعر والدفاع عن السائق القانوني، وليس مُساواتهما بالتشهير العلني عبر عبارات غير مدروسة واردة في بيانات رسميّة.

والأمثلة لا تنتهي، مع العلم أنّ عبارة "خلاف على أفضليّة مُرور" تصلح لوصف حالة واحدة مُحدّدة، تتمثّل في إلتقاء سيارتين تسيران بوجهتين مُتعاكستين على طريق ضيّق لا يصلح سوى لمرور سيارة واحدة، لكنّ وجهة السير على هذا الطريق غير مُحدّدة بالقانون باتجاه واحد. وبالتالي في حال تلاسن كل من السائقين المعنيّين، أو تضاربا، فإنّه يصحّ في هذه الحال فقط وصف ما حدث بأنّه "خلاف على أفضليّة مُرور". أمّا وضع السائق المُعتدي والأزعر ومن دون أخلاق والضارب قوانين السير بعرض الحائط، في نفس مَرتبة السائق المُلتزم بهذه القوانين والمُهذّب والذي يحترم نفسه والآخرين خلال قيادته، فهو تعدّ فاضح ومرفوض على كرامات الناس.

وفي الختام، ولأنّه من غير المقبول ولا المنطقي أن يأتي هذا الأمر من قبل جهاز رسمي، المطلوب العمل على تصحيح هذه الثغرة اليوم قبل الغد. وإذا كان صحيحًا أنّ رجال الأمن ليسوا قُضاة لحسم الخلافات بين المواطنين في الشارع ولمعرفة ولتحديد المُذنب والبريء، فعلى الأقلّ يجب التوقّف عن إستخدام هذه العبارة بشكل عشوائي يهين الأشخاص غير المعنيّين بها، وإستبدالها بعبارة أخرى لا تُساوي بين المُعتدي والضحيّة.