لم يتأخَّر الوزير ​جبران باسيل​ بعيد انتخاب العماد ​ميشال عون​ عن فتح صفحة النوايا الأصلية والملتبسة في «إعلان النوايا»، فما كان متّفقاً عليه ضمناً وعلناً إلى حدٍّ بعيد بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» هو ​المناصفة​ بين قويَّين، وما كان يؤمل به على الأقل من قبَل «القوات اللبنانية»، أن يتمّ التزام هذا الاتفاق، لكنّ باسيل بكّر في إعلان أنّ ​الانتخابات الرئاسية​ المقبلة، أو تحديداً الرئيس المقبل، سيكون الأقوى مسيحياً، أي الذي يملك أكبر كتلة نيابية.

الموقف الطازج لباسيل افتتح انقلاباً على التفاهم العوني - القواتي، وأحدَث تملمُلاً لدى «القوات اللبنانية»، في وقتٍ كانت رهجة انتخاب الرئيس عون ما زالت في أوجها، وكذلك «رهجة» النسبة المئوية العالية التي أعطيَت إلى «القوات» و»التيار» مجتمعين في تمثيلهم للمسيحيين، (تفوق الـ80 في المئة).

لكنّ تطوّر العلاقة الثنائية فيما بعد أثبَت أنّ «القوات» في وادٍ وباسيل في وادٍ آخر، ليس فقط في ما يتّصل بالتعيينات التي تمّ تغييب «القوات» عنها بشكل كامل، بل في مجمل الاتفاق الذي كان وُقّع بروحية، كان يفترض أن تقود إلى مناصفة في الأحجام والأوزان، فتحوّلت استئثاراً واضحاً، يكاد أن يعزلَ «القوات اللبنانية» داخل الحكومة، بعدما بدا أنّ باسيل يتّكئ على تحالف مع تيار «المستقبل» من جهة وعلى قوّة «حزب الله» من جهة ثانية، ما مكَّنه من الذهاب بعيداً في التعاطي مع «القوات» على أنّها طرف لا خوفَ من إغضابه، ولا إغراء في التحالف معه، حتّى وصَل به الأمر إلى الافتئات على دور «القوات» في انتخاب عون، وتصغيرِه، لا بل تصويره على أنّه كان مصلحةً قواتية تستبق العزلة.

في المعلومات، أنّ «القوات اللبنانية» بدأت تتعاطى مع باسيل بلغة جديدة، وهذا بدا واضحاً في تسريبات اليومين الماضيين، وهذا النمط الجديد كان نتيجةً لقرار قوّاتي بمواجهة باسيل، لكن من دون الخوض في مواجهة مع عون، لكي لا تتحمّل «القوات» مسؤولية فرطِ ​المصالحة المسيحية​.

وبعدما كان الدكتور ​سمير جعجع​ قد زار عون، وأوفد أكثر من موفد لشرح ما يقوم به باسيل، وبعدما جُوبِه بإحالة الموضوع من عون على باسيل، بدا أنّ موقف باسيل هو نفسه موقف عون، وأنّ مجرّد امتناع عون عن التدخّل يعني أنّ باسيل هو الذي يُعبّر عن موقف عون.

وأمام هذا الواقع، غيَّرت «القوات» في خطابها الإعلامي والسياسي من باسيل وبدأت بتحميله مسبقاً نتائجَ المسّ بالتفاهم الذي أوصَل عون إلى بعبدا. ويتوقّع ألّا تتوقّف الرسائل المعلنة، باعتبار أنه لم يعد لدى الطرفين ما يخسرانه، فباسيل جنى معظم مكاسب التفاهم، وأصبحت المواقع المسيحية في الإدارة، في معظمها ضمن دائرة نفوذه ونفوذ «حزب الله»، فيما «القوات اللبنانية» لا تزال تقف عند تعيين مجلس إدارة «تلفزيون لبنان»، حيث لم تفلح زيارات وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​ إلى رئيس الجمهورية في تراجُع باسيل عن اشتراط تعيين مدير جديد للوكالة الوطنية للقبول بتعيينات الرياشي، علماً أنّ وزير الإعلام كان في صلب التفاهم العوني القواتي.

وليس سرّاً أنّ الأداء الحادّ الذي يقوم به باسيل تجاه «القوات» سرَّع تقارباً بينها وبين تيار «المردة»، قد يُترجَم على شكل ضغطٍ انتخابي في دائرة الشمال، لمَنعِ لائحة باسيل من نيلِ الحاصل الانتخابي، وهو ما يعني إسقاطَه، وقطعَ طريقِه إلى بعبدا، التي دشّنها مباشرةً بعد انتخاب عون بوضعِ معيار أنّ الرئيس المقبل هو من يمتلك أكبرَ كتلة نيابية مسيحية، والتي يحاول تعبيدَها متّكئاً على عكّازة التحالف مع «المستقبل»، وعلى «كارت بلانش» سياسي يقدّمه إلى «حزب الله» بمناسبة أو من دون مناسبة.