لا يكاد يمرّ يومٌ من دون أن يحمل معه تأكيدًا من أحد أقطاب الصف الأول على أنّ الانتخابات النيابية المقرّرة في شهر أيار 2018 ستجري في موعدها، وأنّ شيئاً لا يستطيع أن يوقفها سوى "غضب الطبيعة"، كما يقول رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، الذي كان واضحًا بجزمه أنّ "الزلزال" وحده قادر على تأجيل الانتخابات.

وعلى الرغم من أنّ التجارب السابقة لا تجعل اللبنانيين يطمئنّون بالمُطلَق لمثل هذه التصريحات، لأنّ كلّ شيءٍ يمكن أن يتغيّر عندما تدقّ "لحظة الجدّ"، فإنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ أحدًا من القوى السياسية لن يجرؤ على تحمّل تبعات أيّ تأجيلٍ للانتخابات، وهو ما دفع وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ للحديث عن "خطة باء" للانتخابات، يبدو أنّها دخلت حيّز التنفيذ، ولو من دون إعلان...

وداعًا لـ"الممغنطة" و"البيومترية"؟

منذ إقرار ​قانون الانتخاب​، والحديث عن "الإصلاحات الانتخابية" لا يتوقّف، إلا أنّ شيئًا منها لم يبصر النور حتى الساعة، رغم أنّ ​وزارة الداخلية​ والبلديات كرّرت أكثر من مرّة بأنّ عامل الوقت ليس في صالحها.

في البدء، كان الحديث عن "​البطاقة الممغنطة​" التي نصّ القانون أصلاً على إمكانية اعتمادها، إلا أنّ هذه البطاقة التي هلّلت لها بعض القوى السياسية بوصفها "إصلاحًا" لم تبدُ كذلك، على الأقلّ برأي الخبراء الانتخابيّين، ومعهم وزارة الداخلية نفسها، التي لم تبدِ حماسًا لها، مستندةً لتجارب دولٍ استخدمتها وتراجعت عنها. وتكاد التكلفة الباهظة لهذه البطاقة، التي تُستخدَم حصرًا للانتخاب، من دون أيّ استفادةٍ أخرى، تكفي لصرف النظر عنها، علمًا أنّ الاقتراع في مكان السكن، الذي تذرّع البعض بأنّ هذه البطاقة توفّره، يمكن تأمينه بوسائل أخرى، ومن بينها التسجيل المسبق الذي لا يزال خاضعًا للجدل من حيث المبدأ.

ومن "الممغنطة" انتقل النقاش إلى "​البطاقة البيومترية​" التي اعتقد كثيرون أنّها سلكت فعلاً مسار التنفيذ، خصوصًا بعد إقرار مجلس الوزراء في جلسةٍ عقدها في شهر أيلول الماضي تطوير بطاقة الهوية الحالية إلى بطاقة بيومترية تعتمد في العملية الانتخابية. وإذا كان صحيحًا أنّ البطاقة "البيومترية"، في حال اعتُمِدت، ستشكّل إصلاحًا غير مسبوق، لا يتّصل فقط بالعمليّة الانتخابية، بل بكلّ ما يرتبط بالأحوال الشخصيّة في لبنان بشكلٍ عام، خصوصًا أنّ مثل هذه البطاقة ستشكّل بديلاً عن بطاقة الهوية الحاليّة وستُعتمَد في الكثير من المعاملات الإدارية، فإنّ الصحيح أنّ عامل الوقت لا يبدو أبدًا لصالح استخدامها في الانتخابات النيابية المقبلة، علمًا أنّ المنطق يقول أنّ مثل هذه البطاقات، التي تحتاج للكثير من الدقة والتروي، لا يمكن أن تُنجَز تحت الضغط في غضون أشهرٍ قليلة، وأكثر من ذلك، لا يمكن أن تُجرَّب في استحقاقٍ أساسيّ ومفصليّ بحجم الانتخابات العامة، مع إمكانية حصول شوائب وإشكاليات تقنية عديدة من شأنها وضع العمليّة برمّتها على المحكّ.

انطلاقاً من كلّ هذه الوقائع، بات يمكن الحديث عن قناعة راسخة، ولو غير معلنة، لدى معظم القوى السياسية بأنّ البطاقتين الممغنطة والبيومترية وما لفّ لفّهما باتوا من الماضي، وأنّ الانتخابات المقبلة ستحصل بالطريقة التقليدية، أي بطاقة الهوية وجواز السفر، ولعلّ هذا بالتحديد يشكّل "جوهر" الخطة "باء" التي تحدّث عنها وزير الداخلية، بشرط أن تنطلق بالتوازي مع الإجراءات التحضيرية للانتخابات "ورشة" إصدار البطاقات البيومترية، من دون أيّ إبطاء، لتكون جاهزة لاستخدامها في استحقاق 2022.

لا إصلاح ولا من يحزنون...

هكذا، يبدو أنّ خطة وزارة الداخلية الجديدة تقضي بالعودة إلى الوسائل التقليدية للانتخابات، من خلال بطاقة الهوية وجواز السفر، وهو ما كان كثيرون يتوقّعونه منذ اليوم الأول، باعتبار أنّ البطاقة الممغنطة لم تكن، برأي شريحة واسعة، أكثر من "طعمٍ" أرادت القوى السياسية من خلاله تمرير ما سُمّي بـ"التمديد التقني" للمجلس النيابي بالتي هي أحسن، علمًا أنّ تعديلاتٍ

تقنيّة باتت ضروريّة، بموجب ذلك، على قانون الانتخاب، ولو جاهر الجميع بأنّ أيّ تعديلٍ غير وارد، وذلك لتحديد آليّة الاقتراع النهائيّة.

ولكن، ما الذي يعنيه ذلك؟ هل يعني أنّ الإصلاحات الانتخابيّة، بكافة أشكالها وألوانها، رُحّلت من جديد، وأنّ الانتخابات المقبلة ستتمّ كانتخابات 2009 في أفضل الأحوال، مع بعض التنقيحات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟.

عمليًا، تبدو الأمور ذاهبة بهذا الاتجاه، إلا أنّ الجزم بذلك يبقى سابقًا لأوانه، باعتبار أنّ الإصلاحات تبقى مرهونة بالإرادة السياسية لدى مختلف الأفرقاء، خصوصًا أنّ إصلاحَين على الأقل يبقيان متوافرَين، مع أو من دون بطاقة ممغنطة أو بيومترية، إلا أنّ الخشية تبقى أن يوضَع هذان الإصلاحان في وجه بعضهما البعض، ما سيهدّد كليهما بشكلٍ أو بآخر. ولا شكّ أنّ أول هذه الإصلاحات يبقى فتح المجال للتصويت من مكان السكن، وهو ما يمكن أن يتحقّق من دون البطاقة، بخلاف ما هو شائع، وذلك من خلال التسجيل المسبق، وهو آليّة يتّفق جميع الخبراء على أنّها أساسيّة وإلزاميّة لتنظيم العملية الانتخابيّة، بل إنّ الحجج والذرائع التي يستخدمها البعض لتبرير رفضهم لها هو ما يفترض أن يكون محط الاستغراب والتشكيك، لا العكس، لأنّ عدم الذهاب إليها سيؤدّي للفوضى ولا شيء غير ذلك.

وإذا كان التباين المستمرّ حول مبدأ التسجيل المسبق، في ضوء رفض "​التيار الوطني الحر​" المطلق للفكرة، ومجاراة "​تيار المستقبل​" له في ذلك، يهدّد بعدم الانتخاب إلا في أماكن القيد كما العادة، ما سيشكّل انتكاسةً جديدة، فإنّ "التيّار" يعوّل على إصلاحٍ آخر من خلال العمل على تحصين آلية ​اقتراع المغتربين​ غير المقيمين على الأراضي اللبنانية، والتي بدأت وزارة الخارجية باعتمادها بوصفها "إنجازاً" و"انتصاراً" يسعى وزير الخارجية ​جبران باسيل​ لتسجيله لفريقه السياسي، خصوصًا أنّها ستشكّل تعويضًا عن "الخيبات" الأخرى، علمًا أنّ هذه الآلية، وعلى الرغم من دخولها حيّز التنفيذ، بعد إطلاق موقع إلكتروني مخصّص لتسجيل المغتربين الراغبين بالمشاركة في الانتخابات لأسمائهم، تبقى عرضة للتشكيك من قبل العديد

من القوى السياسية، خصوصًا تلك التي قد لا يناسبها ذلك، وستسعى لعرقلته مباشرةً أو مواربةً.

إلى الانتخابات دُر...

بين الخطة (ألف) للانتخابات، التي يبدو أنّها اصطدمت بضغط الوقت، والخطة (باء) للانتخابات، التي تبقى محطّ أخذٍ وردّ حتى إشعارٍ آخر، خصوصًا أنّ معالمها لا تزال غير واضحة، يبقى الأكيد أنّ إشارة الانطلاق للسباق الانتخابيّ قد بدأت عمليًا مع أداء هيئة الاشراف على الانتخابات اليمين أمام رئيس الجمهورية، رغم كلّ ما قيل ويُقال.

وسواء تحقّقت الاصلاحات أو لم تتحقق، ثابتة وحيدة يتّفق عليها اللبنانيون، وهي أنّ الانتخابات يجب أن تحصل في موعدها، مهما كانت الظروف، وهم لن يقبلوا أيّ حُجّة لتمديدٍ رابعٍ، ولو كان بحجم "زلزالٍ"، سياسي أو طبيعيّ كالذي تحدّث عنه رئيس المجلس النيابي...