تستعر الحرب الإستخباريّة بين ​واشنطن​ وموسكو على جبهات الشّرق السوري- رحى المنازلة الشّرسة بين الطّرفين- على وقع تقدّم ​الجيش السوري​ وحلفائه باتجاه وسط مدينة الميادين رغم كلّ ​العراق​يل الأميركيّة لمنع هذا التقدّم، والتي تُوّجت برعاية ودعم أميركيّين للهجوم الضّخم الذي شنّه تنظيم "داعش" منذ اسبوعين ضدّ مواقع الجيش والحلفاء، ولتُعلن وزارة الدّفاع الرّوسيّة، عن عمليّة كبرى في المدينة، برسالة مباشرة "الى من يعنيه الأمر"، وبمثابة ردّ على تصريح نائب القائد العام لتحالف واشنطن روبرت سومجي، الذي اعلن منذ ايّام انّ المعركة الكبرى-الآتية عاجلا وليس آجلا- ستكون في منتصف ​نهر الفرات​ على الحدود السوريّة- العراقيّة، في مؤشّر يُدلّل الى الإستعداد الأميركي للدخول المباشرعلى خطّ العمليّات المقبلة، خصوصا معركة ​البوكمال​ التي تعتبرها واشنطن" معركتها الكبرى".

وفي وقت تواترت معلومات صحافيّة روسيّة، كشفت عن أوامر مشدّدة عُمّمت على القوّات الرّوسية في دير الزّور والميادين، تقضي باستهداف القوّات الخاصّة الأميركية بشكل مباشر اذا ما تعرّضت لأيّ هجمات مسلّحة في المعارك الجارية، وأماطت الّلثام عن مقتل ضبّاط استخباريّين أميركيين" رفيعي المستوى" كانوا يعقدون اجتماعا مع متزعّم جبهة "النّصرة" ​ابو محمد الجولاني​ وكبار قادة الجبهة، يوم 27 من الشهر الماضي في مكان سريّ في ​ريف ادلب​، حين باغتتهم غارات روسيّة، وأسر اثنين من قوّة اميركية خاصّة كانت تؤمّن حراسة الإجتماع، بعد فرارهما غداة الإستهداف، ووقوعهما في ايدي ضبّاط اتراك في نقطة محاذية للحدود التركية، وليتمّ تسليمهما الى قوّة روسيّة.

هي ليست "التّمريرة" التّركيّة الأولى الى موسكو في ظلّ التوتّر التركي-الأميركي الذي احتدم مؤخّرا على نحو غير مسبوق، سيّما بعد المعلومات التي مرّرها جهاز الإستخبارات الرّوسي الى انقرة في منتصف الشهر الجاري، والتي تكشف عن خليّة ضباط اتراك ترتبط بالقنصليّة الاميركية في اسطنبول، كانت تُزمع تنفيذ انقلاب جديد في تركيا- حسبما اشارت المعلومات الرّوسيّة- ولعلّ هذا الأمر هو الذي دفع الرئيس التركي اردوغان الى شنّ هجومه على واشنطن، على متن "حرب التأشيرات" المتبادلة، متّهما اياها بشكل مبطّن ب" دسّ جواسيسها داخل القنصليّة"، وملوّحا بطرد ​السفير الأميركي​ من انقرة.. وتلفت المعلومات الى انّ الإجهاز الجوّي الرّوسي على الإجتماع السّري في ريف ادلب يوم 27 ايلول المنصرم، والذي تسبّب ب"مقتلة" في صفوف كبار القادة في جبهة "النّصرة" ودخول الجولاني في غيبوبة جرّاء اصابته بجراح بالغة، قتل ايضا ضبّاطا في ​الإستخبارات الأميركية​ كانوا يحضرون الإجتماع، الذي تمّ تحديد مكانه السّري وتوقيته وحتى اكتمال عقده، عبر تمرير معلومة استخباريّة تركيّة الى الرّوس- وفق ما اكّد ايضا الكاتب والصّحفي الرّوسي اندريه اونتيكوف، والذي كشف انّ الإجتماع كان يضمّ اربعة من ممثّلي الإستخبارات الأميركية "رفيعي المستوى"، أمّنت حراستهم قوّة اميركية خاصّة، وقُتلوا جميعا بالغارات الرّوسيّة، باستثناء اثنين من قوّة الحماية اُصيبا بجراح.

اذن هو ردّ روسيّ آخرعلى الرّد، بعد "مقتلة" العشرات من قادة "داعش" بينهم ثلاثة ضبّاط اميركيين كانوا يُنسّقون عمليّات التنظيم شمال دير الزّور، عندما انقضّت عليهم حينها قاذفات "تو 95 ام اس" الروسية..موسكو باتت متيقّنة انّ واشنطن تُدير عمليّات التنظيمين الإرهابيّين على حدّ سواء.. وعليه، فإنّ ردّها لن يقف عند هذا الحدّ!

لا يُغفل اونتيكوف الإشارة الى انّ القيادة العسكريّة الرّوسية، وبأمر شخصي من الرئيس بوتين، عمّمت –عقب اغتيال الجنرال فاليري اسابوف- اوامر مشدّدة الى القوات الرّوسية في سورية، باستهداف عناصر الإستخبارات والقوّات الخاصّة الاميركية بشكل مباشر، "والمعروفون بالأسماء لدينا، كما اماكن تواجدهم بالتحديد على الأرض السورية، اذا ما تعرّضت قوّاتنا والقوات السورية مرّة اخرى لأيّ هجمات مسلّحة في خضمّ المعارك التي نخوضها في دير الزّور والميادين، وصولا الى البوكمال"- وفق تعبيره-

وعلى الضفّة الأخرى، وفي حمأة المنازلة الروسية-الاميركية في رحى الشرق السوري، دخلت طهران بقوّة على خطّ ارسال تهديدات مباشرة الى واشنطن لا تقلّ سخونة عن نظيرتها الروسيّة، لعلّ اقساها تلك التي عبرت على لسان قائد الحرس الثّوري الإيراني اللواء جعفري، والذي نصح الأميركيين بنقل معسكراتهم ل 2000 كلم عن الحدود الإيرانيّة، اذا ما ادرجت واشنطن الحرس الثوري على اللائحة الإرهابيّة، متوعّدا بالتعامل مع الجيش الأميركي في كافّة انحاء العالم، "خاصّة في الشرق الأوسط تماما كما نتعامل مع "داعش".. كلام يؤشّر الى مرحلة جديدة من المواجهة، خصوصا "انّ القواعد العسكرية الاميركية في سورية ليست بعيدة من متناول اليد القتاليّة الإيرانية هناك -حسبما لفت مصدر مقرّب من الحرس الثّوري-، اكتفى بالإشارة الى "مفاجآت غير سارّة" بانتظار الأميركيين في معارك ​دير الزور​ والميادين، والبوكمال تحديدا، والتّلميح الى تجهّز صواريخ بالستيّة "لإطلاقها الى اهدافها" –عند تحديد ساعة الصّفر.

إنها منازلة دير الزّور وما بعدها، وبعبارة أوضح "معركة الفوز بحقول نفطها وغازها"، والتي ابرزت هذا السّباق الأميركي المحموم الى هذه المدينة منذ انطلاق معركة تحريرها.. وتولي واشنطن اهمّية استثنائيّة لمعركة تحرير البوكمال المُنتظرة، والتي سيعني انتصار دمشق وحلفائها فيها، تزامنا مع توجّه قوات ​الحشد الشعبي​ العراقي الى راوة والقائم المُقابلتين للحدود، بمثابة الضّربة القاضية للمشروع الأميركي-الإسرائيلي حيال سورية والعراق معا، ولتؤول النتيجة "فتحا مُبينا لمحور المقاومة من طهران الى بيروت".. وتكشف معلومات صحافيّة فرنسيّة استندت الى مصادر في موقع "انتيليجانس اونلاين" الإستخباري الفرنسي، عن تحذيرات اقليميّة وصلت الى ​تل ابيب​، من مغبّة شنّ ايّ حرب باتجاه سورية او ​لبنان​ ربطا بنتائج معارك الشرق السوري، ونصحت قادتها بأخذ تهديدات السيّد ​حسن نصرالله​ "بجدّية قصوى"، " سيّما انّ مؤشّرات عديدة تدلّ على انّ الإدارة الأميركية ستشهد انقلابا خطيرا على خلفيّة حدث غير مسبوق يتعلّق بمصير الرئيس ترامب، والذي سيُستتبع بفوضى عارمة في عدد كبير من الولايات الأميركية – حسب اشارة المعلومات.