الضغوط على "​حزب الله​" ليست بالأمر الجديد، لكنّ ما هو مُقبل منها سيكون أكثر إيلامًا من السابق بحسب المعلومات المُتوفّرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ما يُقلق "الحزب" ليس الضُغوط الإقليميّة والدَوليّة المُرتقبة، وبطبيعة الحال ليس المُناكفات الداخلية والمحلّية التي يتعرّض لها، إنّما الإتفاقات التي تجري صياغتها في العلن وفي الخفاء، بين مجموعة من الدول الإقليمية والدَولية ذات النُفوذ القوي في ​سوريا​ و​الشرق الأوسط​ عُمومًا.

إذاً، من المُتوقّع أن يُواجه "حزب الله" مَوجة جديدة من الضُغوط من الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ​دونالد ترامب​، وذلك من ضُمن سلسلة من القرارات القاسية التي يتوقّع أن تتخذها واشنطن بحقّ طهران تصاعديًا، وستشمل هذه المرّة "الحرس الثوري ال​إيران​ي". وهذه الضُغوط تنقسم إلى إقتصادية ومالية، لجهة تضييق الخناق على مصادر تمويل "الحزب" قدر المُستطاع، ومحاولة مُحاصرة الشخصيّات والجهات التي تمدّه بالدعم المالي، وإلى عسكريّة وأمنيّة، لجهة مُلاحقة مسؤولين من "الحزب" بتهمة التورّط في أعمال إرهابيّة وبتنفيذ عمليّات أمنيّة في لبنان وخارجه، والعمل على توسيع الدول التي تُصنّف "حزب الله" كتنظيم إرهابي، علمًا أنّ هذا التصنيف مُعتمد من قبل عدد قليل من الدُول حاليًا، ومنها من يحصر هذه التهمة بالجناح العسكري فقط دون الجناح السياسي للحزب(1). ومن المُتوقّع أيضًا أن يحمل قرار جديد سيصدر عن "المحكمة الدَوليّة" في المُستقبل القريب، إتهامات جديدة ضُدّ مسؤولين أمنيّين في "حزب الله" بتهمة التورّط بجرائم إغتيال غير جريمة إغتيال رئيس الوزراء السابق ​رفيق الحريري​، حيث كانت المحكمة تُحقّق في ثلاث قضايا هي عمليّة إغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي ​جورج حاوي​، ومحاولة إغتيال الوزير السابق ​مروان حمادة​، ومحاولة إغتيال وزير الداخلية السابق إلياس المُرّ، وقد وَصلت إلى خلاصات جديدة في بعضها. كما يُتوقّع أن يُواجه "حزب الله" ضُغوطًا إقليميّة إضافيّة، وتحديدًا من جانب المملكة العربيّة السُعوديّة وبعض الدول الخليجيّة الأخرى، بعد أن صار الصراع السياسي والإعلامي وحتى الأمني مفتوحًا على مصراعيه بين الطرفين.

لكن وعلى الرغم من الوضع الصعب الذي يُواجهه "حزب الله" على غير صعيد في المرحلة الحالية، بدءًا بإستمرار خسائره البشريّة في المعارك التي لم تنته في سوريا بعد، مُرورًا بتضييق الخناق المالي وبتفعيل الحصار الإقتصادي عليه من قبل أكثر من دولة إقليمية ودوليّة، وُصولاً إلى إستمرار العمل على تشويه صُورته وسمعته والسعي لتصنيفه كمنظّمة إرهابيّة، فإنّ ما يُقلق "الحزب" يتمثّل بالإتفاقات وبالتسويات التي يجري تحضيرها بين الدول الإقليميّة والدَوليّة المعنيّة بالشأن السوري. وفي هذا السياق، ليس بسرّ أنّ التحرّك العسكري من قبل ​الجيش التركي​ وفصائل حليفة له في إدلب يتمّ حاليًا كترجمة لإتفاق بين تركيا و​روسيا​. وفي السياق عينه، إنّ تقاسم النُفوذ العسكري في مُحافظة ​دير الزور​ بين الجيش السوري من جهة، وفصائل مُسلّحة مُعارضة له من جهة أخرى، تمّ باتفاقات من تحت الطاولة كان لكل من روسيا و​الولايات المتحدة الأميركية​ وتركيا و​الأردن​ دور فيها. وتُحاول الولايات المتحدة الأميركيّة بالتنسيق مع ​إسرائيل​، إقناع روسيا بضرورة إبعاد أيّ تواجد مُسلّح لقوى مُوالية لإيران قرب ​الجولان​ السوري المُحتلّ، علمًا أنّ إسرائيل التي تربطها علاقات جيّدة بروسيا تُطالب بعدم تواجد أي قوّات عسكريّة مدعومة من إيران حتى عمُق 50 كيلومترًا في الداخل السوري بعيدًا عن مناطق سيطرتها الحُدوديّة، وهي نفّذت في الماضي القريب أكثر من غارة ضُدّ أهداف عسكرية في سوريا، ردًا على عدم تعامل موسكو بالجدّية والحزم اللازمين إزاء هذا الملفّ-أقلّه حتى الساعة.

ويُمكن القول في الختام، إنّ "حزب الله" الذي يُنفّذ-ومن خلفه إيران، إستراتيجيّة مُواجهة كاملة ضُدّ إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربيّة الأخرى، قادر على تحمّل المزيد من الضغوط الإقتصادية والمالية والسياسيّة والإعلاميّة، لكنّ ما يخشاه هو أن تعقد روسيا إتفاقات وتسويات خاصة بالشأن السوري لا تأخذ في الإعتبار مصالحه، كون موسكو التي تهتم بمصالح طهران ودمشق بطبيعة الحال، تُعطي الأولويّة لمصالحها، علمًا أنّ علاقاتها الثنائيّة مع كل من أنقره وتل أبيب والرياض شهدت تحسّنًا كبيرًا في المرحلة الأخيرة، وهذا الأمر لا يُبشّر بالخير بالنسبة إلى "الحزب".

(1) تُصنّف كل من أميركا وكندا واليابان وهولندا و"الجامعة العربيّة" "حزب الله" مُنظّمة إرهابيّة، بينما يُطلق كل من ​الإتحاد الأوروبي​ والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلاندا هذا التصنيف على الجناح العسكري للحزب فقط، مع إستثناء الجناح السياسي منه.