أن يتحالف "​التيار الوطني الحر​" مع "​حزب الوطنيين الأحرار​" هو لا شكّ أمرٌ صادمٌ لا يصدّقه عاقل، في ظلّ الخلافات غير البسيطة بين الحزبين على كلّ شيء، والتي وصلت في بعض الأحيان لحدّ التجريح الشخصيّ، من دون أن يستطيع أن يحدّها لا "تفاهم ​معراب​" في أيام عزّه، ولا غيره من لقاءات التقريب، قبل أو بعد انطلاقة العهد الجديد.

وإذا كانت كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ "تفاهم معراب"، الذي راهن الكثيرون عليه أكثر من اللزوم، يترنّح بسبب تمسّك "التيار" بتحالفه الثابت مع "حزب الله" على حساب أيّ تحالفاتٍ أخرى، بما فيها التحالف مع "​القوات اللبنانية​"، فإنّه يصبح من البديهيّ أنّ خوض "التيار" لأيّ معركةٍ في مواجهة "الحزب" هو من سابع المستحيلات، تمامًا كخوضه لأيّ معركة جنبًا إلى جنب "​تيار المردة​" في أعقاب "الطلاق المُعلَن" بينهما منذ ​الانتخابات الرئاسية​ الأخيرة.

هي عيّنة بسيطة من "مستحيلات" تحقّقت من خلال الانتخابات ​الطلاب​ية التي بدأت الجامعات تشهدها منذ أكثر من أسبوع، "مستحيلات" لا يمكن أن تُفسّر في السياسة سوى على شاكلة "الانقلاب"، إلا إذا وصلنا لزمنٍ يتحرّر فيه الاستحقاق الأكاديميّ من القيود السياسية، وهو أمرٌ يبقى بعيد المنال حتى إشعارٍ آخر...

نعمة أم نقمة؟

قد يعتبر كثيرون أنّ "خلط الأوراق" الانتخابيّة داخل الجامعات هو نعمةٌ وليس نقمةً، باعتبار أنّه يدلّ على أنّ "الانقلاب"، إن حصل، فهو على مقاربة الاستحقاق بحدّ ذاته وليس أيّ شيء آخر، وبالتالي منحه "استقلاليّة" ما عن الواقع السياسيّ وتحالفاته، أو، بالحدّ الأدنى، "خصوصيّة" معيّنة لا بدّ منها.​​​​​​​

وبالعودة إلى السنوات القليلة الماضية، يذكر اللبنانيون جيّدًا كيف كانت الاستحقاقات الانتخابية الجامعية تبدو، بشكلٍ أو بآخر، مرآةً للحياة السياسية اللبنانية، من خلال التحالفات والسلوكيّات والأدبيّات وكلّ ما يمتّ لها بصلة، وكان ذلك يتجلّى بشكلٍ خاص أيام الانقسام العمودي بين ما كانت تسمّى بقوى الثامن والرابع عشر من آذار، حيث كانت الانتخابات الجامعية تُخاض على هذا الأساس، بمُعزَلٍ عن أيّ برامج أو مشاريع ذات طابع أكاديمي أو جامعي من شأنها تحقيق مصالح الطلاب.

ويكفي للدلالة على ذلك التوقف عند الثقل الكبير الذي كانت تضعه الأحزاب السياسية، التي ذهبت لحدّ اعتبار الانتخابات الجامعية بمثابة "استفتاء" في أكثر من محطّة، خصوصًا عندما كانت الانتخابات النيابية بحكم "الملغاة"، بل إنّ بعض رؤساء الأحزاب لم يتردّدوا بتحويل فوزٍ عاديّ في الكثير من الاستحقاقات الجامعيّة إلى "انتصارٍ بحجم وطن"، وكانوا ينظّمون المهرجانات خلال استقبالهم الطلاب نظرًا لـ"البروباغندا الإعلامية" التي يجلبها ذلك.

اليوم، لا يمكن القول أنّ الوضع تغيّر، سوى أنّ حابل التحالفات اختلط بنابلها في السياسة قبل الجامعات، الأمر الذي انعكس بدوره على الأخيرة، بحيث حافظ بعضها على انقسام "8 و14" كحال ​الجامعة اللبنانية الأميركية​، فيما ذهب بعضها لتحالفاتٍ جديدةٍ من وحي التفاهمات الجديدة كتحالف "الوطني الحر" مع "القوات" و"المستقبل" في ​الجامعة الأميركية​، في مقابل خوضه المعركة في وجه "القوات" في ​جامعة سيدة اللويزة​ واللبنانية الأميركية مثلاً، إضافة إلى بعض التحالفات غير المفهومة في أكثر من جامعة.

لا غريب إلا الشيطان

قد يقول قائل أنّ ما يحصل على صعيد الجامعات دلالة كافية ووافية على أنّ الجامعات تحرّرت، بشكلٍ أو بآخر، من القيد السياسي والطائفي، بدليل تحالفاتها التي باتت عابرة للطوائف، بل حتى للخصومات السياسية التاريخية والتقليدية. إلا أنّ هذا القول يصطدم مع واقع الإشكالات المتنقّلة التي لا تزال أروقة الجامعات تشهدها بين الحين والآخر، وفقاً للاصطفافات المعروفة، كما حصل أكثر من مرّة في الآونة الأخيرة في ​الجامعة اليسوعية​، وهو مرشح للتصاعد أكثر في الأيام الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي في الجامعة نهاية الشهر الحالي، علمًا أنّ هذا الاصطفاف لم يكن غائبًا أيضًا عن انتخابات اللبنانية الأميركية التي حصلت قبل أسبوع، على وقع الشعارات والهتافات السياسية والطائفية، بل المذهبية الضيقة.

​​​​​​​

من هنا، لا يبدو منطقيًا القول أن الطابع الأكاديمي عاد ليشكّل المعيار الأساس في الاستحقاقات الانتخابية الجامعيّة، ربطًاً بمصالح الطلاب ولا شيء غير ذلك، وإن كان الأوان قد آن لذلك، خصوصًا في ضوء ما يُحكى عن تجميد مشاريع وإلغاء أخرى لصالح كلّ الطلاب في أكثر من جامعة انطلاقاً من مبدأ "النكايات"، ولكون المجلس الطلابي في يد هذا الطرف أو ذاك. إلا أنّه يمكن القول أنّ المرحلة السياسية "الضبابية" التي يعيشها لبنان اليوم، خصوصًا في ضوء ​قانون الانتخاب​ الجديد الذي غيّر قواعد اللعبة الانتخابيّة ومعادلاتها برمّتها، هي التي فرضت هذه الصورة الجديدة، علمًا أنّ "المصالح" لعبت دورها أيضًا في العديد من الجامعات، التي تختلف أنظمتها الانتخابية بين الأكثري والنسبي، تمامًا كما تختلف "مناطق النفوذ" فيها بالنسبة للأحزاب، وفقاً للعديد من الاعتبارات والحسابات.

من هنا، يبدو أنّ مشهد "تناقضات" التحالفات لا يبدو معزولاً في بيئته اللبنانية العامة، إذ توحي كلّ المؤشّرات أنّه سوف يتكرّر بشكلٍ أو بآخر في الانتخابات النيابية المقبلة، التي ستعلو فيها "فوضى التحالفات" على كلّ ما عداها، علمًا أنّ بعض القوى السياسية بدأ منذ الآن يروّج لمفهوم "التحالف على القطعة"، مع ما يعنيه ذلك من تحالفاتٍ متناقضةٍ هنا وهناك. وفي وقتٍ تبدو الثابتة الوحيدة المتّفَق عليها بين الجميع هي أنّ التحالفات تبقى مفتوحة على كلّ الاحتمالات من دون استثناء، مع فصلٍ تام بين "التحالف الانتخابيّ" و"التحالف السياسيّ"، لا يبدو مبالَغًا به على الإطلاق القول أنّ الانتخابات الجامعية ستشكّل "بروفا"، شكلاً ومضمونًا، للانتخابات النيابية المقبلة، على الأقل بنظر الطبقة السياسية نفسها.

الطلاب ليسوا "وقوداً"!

على الرغم من أنّ هناك من يبرّر غرائب وعجائب التحالفات في الجامعات، كانسحاب "التيار" مثلاً من التحالف مع "حزب الله" في "الأميركية" نظراً لتمسّك الأخير بتحالفه مع "أمل"، الأمر الذي لم يحبّذه "التيار" انطلاقاً من تجارب سابقة غير مشجّعة، فإنّ ذلك لا يعني أنّ هذه العجائب والغرائب لن تُصرَف في السياسة، ولن يكون لها دلالاتها.

ويبقى الأمل الحقيقي أن يدرك طلاب الجامعات قبل غيرهم أنّ تحوّلهم لـ"وقود" للأحزاب السياسية ليس في صالحهم، وأن يفرضوا على الأحزاب التي ينتمون إليها مقاربةُ جديدة مختلفة رأسًا على عقب تقوم على أساس "مصلحة الجامعة" أولاً وأخيرًا، وبمُعزَل عن أيّ خلفيّاتٍ أو نكاياتٍ سياسيّة لا تشوّه الاستحقاق الجامعي فحسب، بل تعكّر العلاقات بين الطلاب أنفسهم إلى حدّ كبير...