ما أبشع أن تكون في بلدٍ تعشقه ولا يعترف بك،فقط لأنك لست اكثرياً.

وما أقبح الإنتماء والولاء إلى وطن تفديه بالمهج وبالمقل ولا يراك شيئاً مذكورا.

وما أنحس حظنا نحن العلويون في ​لبنان​، وما أنكد عيشنا فيه.

فلا أعرف قيمة لنا في هذا البلد، ولا مناسبة لوجودنا فيه، حسبنا أننا لبنانيون فقط، وأغنانا ذلك عن كل وطنٍ بديل.

حتى النازحون واللاجئون والمغتربون هم أفضل حالٍ منا نحن العلويون في لبنان.

يكفيهم الإعتزاز بقيمتهم أنهم مدار بحث كل المرجعيات الدينية والسياسية والمنظمات الأهلية والجمعيات المدنية والدول الإقليمية والعالمية.

أمَّا نحن، فعند التفجير أو التدمير تعاد منطقتنا إلى الواجهة.

فلتقمِ ​الدولة اللبنانية​ بطردنا جسدياً بعدما خنقتنا روحياً، ولترمِنا في هذا البحر الممنوع علينا الإقامة على شواطئه بعدما رمتنا في بحار الغربة الداخلية والعزلة الدائمة.

نعم، فلتطردنا الدولة اللبنانية بعدما حبستنا في هذا الكيلومتر المربع الواحد، ولتريح كاهلها من همِّ أقليةٍ مستضعفةٍ صارت ملطشة للجميع.

أو فلتُجرِّدُنا من هذه الجنسية التي أثقلتنا بها منذ تأسيس لبنان الكبير، لأننا لم نفهم رسالتها لنا بعد بكل وضوح.

هذا أفضل لها ولنا من أن نكون مواطنين بالجنسية فقط، نموتُ في اليوم ألف مرةٍ لانعدام الرؤى وانسداد الأُفق.

جنسية لبنانية عبارة عن بطاقة شخصية ممغنطة هذا أغلى ما تعطينا الدولة اللبنانية.

تتجهز كل القوى السياسية وتتنافس لاختيار ممثليها، ونحن نتجهز لشيءٍ لا نعرفه.

فقط سنعرف عند إعلان نتائج الفائزين أسماء من أذلوه حتى أوصلوه إلى ​المجلس النيابي​ العتيد.

عجز كل ساسة لبنان عن ايجاد قانونٍ يحفظ للأقليات دورها في ممارسة العمل السياسي باحترامٍ. عصر البكوات ما زال مسيطراً على أساليبهم. حيثما تلفتَّ، وأينما ذهبتَ، لن تر نور الحرية والعدالة التي يحرمنا منها ساسة لبنان.

في كل يوم هناك تعيينات ووظائف وتحسب حسابات الميثاق الوطني إلا حسابنا نحن العلويون، فلسنا كما يبدو من مكونات العيش المشترك.

وعند كل استحقاق توزع المستحقات باستثنائنا لأننا بالفعل كما يقال: لا نستحق.

كل هذا التوصيف الذي قد يدهش البعض صار لنا وقتاً طويلاً ونحن نطالب به حتى بحت حناجرنا وجف حبر أقلامنا. ولكن، لا حياة لمن تنادي. والهموم عندنا في تضخم، والمتطلبات في تراكم، وأسباب المساعدة معدومة. فما الحل؟ وإلى أين تدفعنا الدولة اللبنانية؟.

عندما يُحرم العلويون من دخول نقابة ​طرابلس​ للمحامين، عندها علينا أن نقول: لا وجود لنا في أذهانهم.

وعندما لا يُعيَّنُ في المجلس الإقتصادي الإجتماعي إلاَّ علويّاً عن الحرفيين، ونُستثنى من أصحاب الفكر والكفاءة، فما علينا أن نستنتج إلاَّ أن عقليتهم القديمة الطبقية البائسة ما زالت متغلغلة في وجدانهم، وعليه فالوجود المسموح لنا به في الصفوف المتأخرة لا المتقدمة.

تعيينات في قاديشا بلا مباراة، في طرابلس، ومن منطقة واحدةٍ، طبعاً وبلا علويين.

تعيينات قضائية بالجملة بلا أي قاضٍ من العلويين، كأنهم يخافون من عدالته.

جلست مع إخوان لنا وسألني أحدهم، ما قيمة هذه البطاقة الشخصية التي لا أحمل سواها بالنسبة لي؟ فأخرستني الكلمات بغصة دامعة. وآسفاه على هذا البلد، صار عنصرياً بامتيازٍ. يحاسبنا الكل على انتمائنا الديني أو السياسي!. كأنه لم يعد غير انتماءنا لا يعجبهم. آلاف التيارات والإتجاهات تضج بها الشوارع والساحات، ولا يعنيهم الأمر، حسبهم قهرنا وإذلالنا.

هم فشلوا، نعم فشلوا في بناء دولة المواطنة، فتنازعوا الحصص وزرعوا في قلوبنا الغصّة.

يقال، أقيمت المنطقة الحرة في طرابلس لإعمار ​سوريا​، واستثنونا منها بعد أن ذبحونا باسم سوريا. نحن فقط نقتل باسم سوريا، ونجلد باسم سوريا، ولكننا بالتأكيد نحرم من إعمار سوريا...

التعيينات الأمنية​ عودٌ على بدءٍ

طالعتنا الصحف بأخبار عن إعادة إجراء التشكيلات الأمنية والعسكرية خروجاً من المشكلة القائمة بشأن الضباط الذين تم اختيارهم على رأس بعض المهمات الحساسة، وتم تجاوز رأي المرجعيات السياسية المعينة بالأمر التي بادرت بالضغط عليها في الوزارة التابعة لها. ما يهمنا هو إعادة إعلاء صرخة الوجع التي تجتاحنا كلنا نحن كعلويين من عكار إلى طرابلس، نريد مركزاً أمنياً يليق بنا وبضباطنا. فلتعطونا حقنا. كفاكم استهتاراً واستهزاءً بوجودنا. سنبقى نصرخ ونصرخ في وجوهكم حتى تخجلوا من أنفسكم. وأنا متأكد شخصياً ومبدئياً أنَّها صرخةٌ في وادٍ. ولن تلقَ لها أُذناً، ولن يُسمع لها صدى. لأننا كعلويين في لبنان نعيش في زمن ​العبودية​ من هذه الدولة اللبنانية. عبودية مقنعة بشعارات العيش المشترك والميثاق الوطني، عبودية تصنيفِ البشر وتمييزهم، بانتماءٍ ضيقٍ وخلفيةٍ بغيضة حاقدةٍ، أجاركم الله من الوقوع فيها، فإنها كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.