قد لا يكون غريبا ما حصل في ​زقاق البلاط​ اليوم لو كان "القاتل" بالغا، ف​جرائم القتل​ قد تحصل في أي مكان وزمان، خصوصا وأنها ازدادت في الفترة الأخيرة لأسباب كثيرة لا داعي للخوض بها في هذا التقرير، ولكن الغريب والمفاجىء كان "عمر" ع. يونس الذي لم يتعد الـ15 عاما، وهذا ما يجب الوقوف عنده.

كثرت الفرضيّات التي حلّلت أسباب الجريمة المروعة، فلجأ البعض لفرضيّة تعاطي الطفل للمخدرات وارتكابه للجريمة عن غير وعي، واتجه آخرون نحو احتمال تعرض الطفل للتعذيب والتنكيل من قبل والديه، وبعضهم تحدث عن تعنيف الأب "الضحية" للأم مما أدى لردة فعل قاتلة من الطفل. ولكن بحسب ما علمت "النشرة" فقد اكّدت التحقيقات خلو جسم الجاني من أي مواد مخدرة، وان الطفل مصاب بمرض نفسي جعله "ينطوي" على نفسه منذ فترة طويلة.

وتكشف المصادر أن الطفل تربّى في بيئة منزلية غير سليمة وبظل اشكالات دائمة مع والدته، ولم يحظَ بالعناية اللازمة لمن هم في حالته، اضافة الى قيام والديه بإخراجه من المدرسة في عمر التاسعة. وتقول: "لا يعرف "الحي" الطفل لانه لا يخرج ولا يخالط الأطفال مثله بل يتسمّر بمنزله قاضيا وقته في ألعاب الفيديو". وفي هذا السياق تشير المصادر الى ان التحقيقات تتجه حاليا للتدقيق في محتوى هاتف الجاني والاطلاع على نوعية العاب الفيديو التي "يتعاطاها" اذ أن فرضية تأثّره بإحدى الالعاب الالكترونية العنيفة هي المرجّحة وهذا ما يعمل عليه المحقّقون الآن.

وفي سياق متصل يؤكد الاختصاصي في علم نفس العمل ​محمد بدرا​ ان الطفل بارتكابه جريمة كهذه فهو يكون حكما ضحية لمرض نفسي أوصله الى ارتكاب مثل هذه الجريمة. ويقول في حديث لـ"النشرة": "لا يمكن ان يستيقظ الطفل صباحا ويقرر قتل والده وغيره، بل ان ما حصل هو "الانفجار" الناجم عن تراكمات طويلة وأحداث سابقة"، مشيرا الى ان عدم قيام الأهل بتدارك وضع طفلهم واختلال علاقة التواصل بينه وبينهم يوصل الى مثل هذه الحالات.

ويقول بدرا: "يرتكتب الطفل الجرائم بحالات مرضية متعددة منها "القتل لأجل الحب"، وذلك عندما لا يفرغ مشاعره بشكل سليم بل بشكل ارتكابات، ومنها اصابته بحالة "التخيّلات الغريبة" أو "البارانويا"، ومنها اصابته بحالة "الوسواس القهري" الذي يصر عليه بارتكاب أفكار معينة".

ويلفت بدرا النظر الى أن التشخيص السليم لحالة الجاني في قضية زقاق البلاط هو الكفيل بتحديد نوع المرض الذي يعاني منه، الا أن الأكيد هو ان الجريمة جاءت بعد مسار طويل من المعاناة كان يجب تداركه بمكان ما، كي لا يصل الى مرحلة "الانفجار".

يندر أن نسمع بطفل قد ارتكب جريمة قتل عن سابق تصوّر وتصميم لأجل ميراث أو سرقة أو شهوة، فمنطق الطبّ النفسي المختصّ في تفسير هذه الحالات يقول بأن أغلب "الجناة" الاطفال هم ضحايا وليسوا مجرمين.