ليست المرّة الأولى التي يُطلق فيها وزير الخارجيّة والمُغتربين ​جبران باسيل​ تصريحات عالية السقف ومواقف ناريّة من مواضيع وملفّات حسّاسة، قبل أن يعود ويُلطّف من حدّتها في تصاريح توضيحيّة. لكنّ ما صرّح به رئيس "التيار الوطني الحُرّ" في الأيّام القليلة الماضية راكم المزيد من الخلافات مع العديد من الجهات السياسيّة، وزاد من عدد خُصوم "التيّار". فما هي خلفيّات مواقف وتصريحات الوزير باسيل الأخيرة، وما هي نتائجها المُرتقبة؟.

بالنسبة إلى الخلاف مع "تيّار المُستقبل" يعتبر "التيار الوطني الحُرّ" أنّ موقع باسيل كوزير للخارجية يُخوّله تحديد السياسة الخارجية للبنان، وإصدار الأوامر للبعثات الدبلوماسيّة اللبنانيّة في الخارج، والإجتماع بمن يشاء من المسؤولين غير اللبنانيّين لبحث القضايا المُشتركة، بينما يعتبر "تيّار المُستقبل" أنّ وزير الخارجية لا يُمكنه الإجتماع مثلاً إلى نظيره السوري وليد المعلّم من تلقاء نفسه، ولا يُمكنه التفرّد بمعالجة موضوع شديد الحساسيّة كملفّ النازحين السوريّين من دون التنسيق مع رئيس مجلس الوزراء، ولا يُمكنه تحديد سياسة الدولة الخارجيّة من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء ككل، ويُذكّر "المُستقبل" بالمادة 65 من الدُستور اللبناني التي تُخوّل مجلس الوزراء "وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات..." والتي تُلزم حُصول أي قرار "في المواضيع الأساسيّة" على مُوافقة أغلبيّة الثلثين من أعضاء الحُكومة.

وبالنسبة إلى الخلاف مع "الحزب التقدمّي الإشتراكي" والذي تفجّر أخيرًا بفعل مواقف الوزير باسيل عن أنّ "العودة السياسيّة إلى الجبل" لم تحصلبعد، يعتبر "التيّار الوطني الحُرّ" أنّ المُماطلة في إعادة المُهجّرين إلى منطقة ​الشوف​ و​عاليه​ عمومًا، أثّرت سلبًا على تواصل هؤلاء بأرضهم التي كانوا قد طُردوا منها عُنوة في ظلّ أبشع المجازر والإنتهاكات أيّام الحرب، ويرى أنّ المُصالحات التي أقيمت كانت شكليّة ولم تُعالج أسس المشاكل والخلافات، ويُطالب بضرورة السماح بالعمل السياسي للجميع من دون ضُغوط أو تهديدات مُبطّنة، وبوجوب إشراك المسيحيّين بالوظائف الرسميّة في الجبل وتأمين كل مُستلزمات العيش الكريم لهم لتسهيل عودتهم النفسيّة والإقتصاديّة التي تحدّث عنها الوزير باسيل. في المُقابل، يعتبر "الإشتراكي" أنّه لا يتحمّل مسؤوليّة عدم تأمين الأموال لإعادة المسيحيّين بسرعة إلى الجبل، بحجّة أنّه كان من الضروري دفع تعويضات الإخلاء لشاغري أملاك المسيحيّين بُغية عدم التسبّب بموجة تهجير جديدة مُقابلة، ويرى أنّ العمل السياسي مُتاح للجميع في ظلّ وُجود نوّاب لكل من أحزاب "القوات" و"الكتائب" و"الأحرار" من الشوف وعاليه، وأنّ غياب "التيار" هو بسبب خسارته الإنتخابات السابقة. ويُحمّل "الإشتراكي" "الوطني الحُرّ" مسؤوليّة عدم تعميم أجواء الثقة بفعل غيابه عن المُشاركة في عمليّة تجديد المُصالحة في الجبل والتي تمت أخيرًا في حُضور ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​، ومُقاطعة "التيار"، وذلك لأهداف إنتخابيّة-برأيه.

وبالنسبة إلى الخلاف مع حزب "القوات اللبنانيّة" فإنّ "التيار الوطني الحُرّ" يُعيده إلى إعلان "القوات" سلسلة من الترشيحات غير البريئة من البترون إلى جزين، ومُحاولة عرقلة مشاريع "التيّار" الإصلاحيّة في مجلس الوزراء، بينما تُعيدها "القوّات" إلى تجاهل شبه كامل من جانب "التيّار" لكل مطالب "القوّات" بشأن سلسلة التعيينات التي حصلت في ملاكات الدولة الرسميّة، وإعتماد مواقف سياسة خارج سياق ما جرى التوافق عليه خلال "تفاهم معراب"، ومُمارسة سياسة حُكوميّة بعيدة عن الإصلاح الفعلي وأقرب إلى المُحاصصات والتسويات، ومنع وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​ من مُعالجة ملفّ "​تلفزيون لبنان​" وُصولاً إلى مُحاولة التدخّل في شؤون وزارته وتعييناتها. كما يختلف كل من "التيّار" و"القوّات" في مُقاربته لملفّ النازحين السوريّين، وإن كان الطرفان يرغبان بعودة هؤلاء النازحين من دون أيّ تأخير إضافي.

إشارة إلى أنّ السياسة الهُجوميّة التي يعتمدها رئيس "التيار الوطني الحُرّ"، والتي تُبرّرها أوساطه بأنّها مواقف جريئة وتُضيء على الحقيقة كاملة من دون مُواربة، بينما يعتبرها خُصومه بأنّها إستفزازيّة ولا تخلو من الطائفية وحتى من العُنصرية في بعض الأوقات، حقّقت بعض المكاسب الميدانية للتيّار ولرئيسه ولنفوذ الوزير باسيل بالتحديد، لكنّها إرتدّت في المُقابل سلبًا على علاقات "الوطني الحُرّ" مع أغلبيّة المكوّنات السياسيّة اللبنانيّة. وفي هذا السياق، إنّ علاقة "الوطني الحُرّ" بقيادة الوزير باسيل تُعتبر سيّئة اليوم مع "تيّار المردة"، وغير جيّدة مع "الكتائب اللبنانيّة"، وغير صحّية مع "القوات اللبنانيّة"، ما يعني أنّ "التيّار" معزول حاليًا مسيحيًا حيث أنّ الغطاء الوحيد المُتوفّر له هو غطاء بكركي التي تدعم كل العُهود في موقف مبدئي ثابت. أكثر من ذلك، إنّ علاقة "الوطني الحُرّ" بالحزب "الإشتراكي" سيّئة، وبحركة "أمل" غير ناجحة، وبتيّار "المُستقبل" مَبنيّة حصرًا على مصلحة مُشتركة تقضي بالحفاظ على الإستقرار الداخلي وبتقاسم الحُصص، وعلاقة "التيّار" مع حزب "الطاشناق" غير متينة كما كانت في السابق، ومُتراجعة أيضًا مع "​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي". وإذا كانت العلاقة بين "التيار" و"​حزب الله​" بقيت على ثباتها الإستراتيجي، فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى مكانة الرئيس العماد ​ميشال عون​ لدى "الحزب"، ولدى أمينه العام السيّد ​حسن نصر الله​ بالتحديد.

في الختام، لا شكّ أنّ تصريحات ومواقف الوزير "باسيل" نجحت في شدّ عصب مُناصري "التيار الوطني الحُرّ" وكل محبّيه ومؤيّديه عُمومًا، الأمر الذي قد يكون له نتائج إيجابية في الإنتخابات المُقبلة، لكن في الوقت عينه إنّ هذه المواقف زادت عدد خصوم "الوطني الحُرّ" ما يعني أنّ جهات سياسيّة عدّة ستنتظر الإنتخابات النيابيّة أيضًا لردّ الصاع صاعين لرئيس "التيّار"!.