لم تأت خطوة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ المتمثلة باستدعاء سفراء الدول الكبرى و"دق ناقوس الخطر" امامهم حول مشكلة النازحين والخطر المحدق بلبنان اذا ما استمروا في البقاء على ارضه، من المجهول، بل كانت على ما يبدو مدروسة من ناحية التوقيت والاهداف.

ووفق الاجواء التي رافقت هذه الخطوة، يبدو ان الحركة التي يقوم بها عون اساسية لوضع الجميع امام مسؤولياتهم من جهة، واشعار المجتمع الدولي مدى جدية لبنان في مسعاه لعدم تقبّل اي امر واقع سيفرض عليه من خلال التسويات التي ستتم بعد انتهاء الحرب في سوريا، وتهدف الى توطين النازحين في الدول التي تستضيفهم.

ويراهن عون على ما يبدو، على الدفع المعنوي الذي اكتسبه خلال الزيارة التي قام بها الى ​فرنسا​، ولمس خلالها بشكل فاعل رغبة صادقة من الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ في مساعدة لبنان في هذا المجال. ويشكل رهان عون على نظيره الفرنسي احد الركائز الاساسية لتحركه الدولي هذا، فهو عبّد الطريق امام ماكرون ليرفع الصوت في الخارج مطالباً بعودة السوريين الى بلدهم بعد سكوت المدفع، مستنداً بذلك الى تبلغه من عون ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ تأييد اللبنانيين جميعاً لعودة النازحين بعد ان كانت في السابق محط انقسام. كما انه من مصلحة فرنسا واوروبا بشكل عام، عدم تحويل لبنان الى محطة دائمة للنازحين السوريين لاسباب عديدة، لعل اهمها عدم قدرته على التعامل مع هذا الواقع من جهة، وعدم استعداد اي دولة في المنطقة والعالم لتحويل الموقع اللبناني الجغرافي الاستراتيجي مركز تصدير للمشاكل (الهجرة غير الشرعية، ​الارهاب​...) التي عانت منها اوروبا تحديداً في السنوات الاخيرة، من جهة ثانية.

من هنا، قرر عون تحريك المياه الراكدة، وبدء نشاط دبلوماسي لافت في هذا السياق، استعداداً للمؤتمر الذي تحدث عنه ماكرون والذي ستسضيفه فرنسا، وغايته مساعدة لبنان على حل مشكلة النازحين، بحيث سيكون لبنان حاضراً بموقف واحد قوامه ان بقاء ​النازحين السوريين​ على ارضه سيعني العبث باستقراره السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي، مع كل ما يحمله ذلك من نتائج سلبية على المنطقة والعالم، وسيفتح بالتالي مشكلة جديدة بعد الانتهاء من مشكلة سوريا، ولكنها هذه المرة ستكون اكثر تشعباً وخطورة لانها لن تكون عسكرية بل ستطال عمق المجتمع في كل دولة وستؤسس لمتاعب تمتد لسنوات طويلة.

ولم تعد الامور متعلقة فقط بالتغييرات الديموغرافية التي قد تطرأ على لبنان، بل ستطيح بسنوات من الجهد الدولي لابقاء هذا البلد بعيداً عن التوترات والاضطرابات التي عمّت المنطقة. ولا شك ان المنطق الطائفي والمذهبي لم يعد له مكان في دفاع قلّة من اللبنانيين عن بقاء النازحين، لان المشكلة باتت تتعلق بالوجود اللبناني ككل وليس لفئة او شريحة واحدة.

ومن الطبيعي الا يضع عون اماله كلها على ماكرون فقط، ليس من باب قلة الثقة، انما من باب ايجاد خطوات عملية لمواكبة اي قرار سيصدر بعودة النازحين، وهو امر يحتاج حتماً الى التعاطي مع الحكومة السورية وقد احتاط رئيس الجمهورية للمسألة وفتح الخطوط في ظل تردد الحريري والحكومة اللبنانية كي لا يتعرضا لضغوط او احراج في ظل عدم التوافق الدولي حالياً على التعاطي مع النظام السوري، فيما بات من المؤكد ان الرئيس السوري سيكون على طاولة المفاوضات باعتراف الغرب قبل الدول العربية بذلك.

وبين هذا وذاك، قد ينجح عون في ان يطبع عهده بإنجاز سيحسب له، وهو عدم قبوله بمسألة ​التوطين​، واذا نجحت المساعي بالفعل، فقد تكون الخطوة من الاهم في السنة الثانية من عهده، ناهيك عن الانتخابات النيابية الموعودة. فهل سيحصد عون فعلاً ما سيزرعه قريباً ام ان الحصاد سيطول ويطول؟.