رأت مصادر سياسية ان التسوية السياسية القائمة حاليا والتي أدت الى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة ​سعد الحريري​ ومشاركة كل القوى باستثناء ​حزب الكتائب​، لا تزال قائمة، ولا توجد أسباب جوهرية لانتكاستها، بالرغم من السجالات الإعلامية الحامية بين وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ووزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ من جهة، وباسيل ونواب ​اللقاء الديمقراطي​ من جهة ثانية.

واعتبرت المصادر ان الخطر الحقيقي على هذا التفاهم يكمن في ​ملف النازحين السوريين​، وطريقة عودتهم، حيث يشهد القصر الجمهوري اجتماعات عمل في هذا الخصوص، منذ ما قبل سفر رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى ​الامم المتحدة​، حين اعلن من اعلى منبر دولي ان ​لبنان​ يرفض ​التوطين​ سواء للاجئين الفلسطينيين، او للنازحين السوريين، وان اي قرار في هذه المسألة يعود للدولة اللبنانية وحدها. وتتسلح رئاسة الجمهورية بالإحصاءات التي تعكس خطورة هذا الملف على لبنان، والتي عرضها رئيس الجمهورية، وشرحها بالتفصيل وزير الخارجية جبران باسيل امام سفراء الدول الاعضاء في ​مجلس الامن​ وممثل ​جامعة الدول العربية​. وتاليا ثمة مخاوف من ان يؤثر موضوع التعاطي مع المسألة النازحين على التوافق القائم.

وحددت المصادر مكامن خطر الخلاف في نقطتين أساسيتين:

-الاولى ان أوساط مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري تشكك في الأرقام التي عرضها رئيس الجمهورية خلال جلسة سابقة ل​مجلس الوزراء​، وبالآلية القانونية التي تسمح للبنان بتنفيذ اي قرار يتخذه في هذا السياق.

-الثانية تسويف الحريري في طرح خطة وزير الخارجية حول هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء.

وتقول هذه المصادر، صحيح ان ​الدستور اللبناني​ يعطي رئيس الجمهورية صلاحية التفاوض وعقد الاتفاقيات الدولية، لكن ابرامها يجب ان يتم بالتوافق مع رئيس الحكومة وموافقة مجلس الوزراء .

ولفتت المصادر الى أن نقطة الخلاف الجوهرية بين بعبدا والسراي الحكومي، ليست في معرفة الاثنين لخطورة ​النزوح السوري​ على لبنان، بل في رفض رئاسة الحكومة التعامل مع النظام السوري، وعدم ممانعة رئاسة الجمهورية في التنسيق مع هذا النظام، اضافة الى ان سفراء الدول الاعضاء الدائمين في ​مجلس الامن الدولي​ يعانون من نفس الانقسام حول هذا الملف .

وشددت المصادر على انه اذا كان النظام السوري يريد فعلا مساعدة لبنان في حل هذه المعضلة، فلديه كل الإمكانيات، اذا ما توفرت النوايا الصادقة حيال لبنان، حيث انه قادر على حضّ السوريين النازحين، الذين يقول سفير دمشق في لبنان ​علي عبدالكريم علي​ ان اكثر من ثمانين في المئة منهم ذهبوا الى دمشق وصوّتوا لصالح الرئيس السوري بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، وعادوا الى لبنان، على ان يبقوا في مدنهم وبلداتهم وقراهم، اي العودة الطوعيّة التي لا تحتاج الى أنْ ينسق لبنان مع النظام لتأمين هذه العودة .

في المقابل، وبحسب المصادر، فإن الفريق الذي يرفض تواصل لبنان مع النظام السوري في أي ملف من الملفات، يضع رأسه في الرمال، لان مثل هذا التواصل يتم بوتيرة شبه يوميّة من خلال رئيس مؤسسة امنية .

لكن العقدة المستجدة كما تقول المصادر، تكمن في ان دمشق تشدّد على رفع مستوى هذا التنسيق ليصبح بين الحكومتين اللبنانية والسورية، ولم تعد في وارد الإبقاء على التواصل عبر القنوات الامنيّة، وهذا ما يرفضه الحريري وعدد من مكونات حكومته، ويعتبره تطبيعا مع نظام الرئيس السوري ​بشار الاسد​ .

واستنتجت المصادر انه اذا ما تبين ان هدف السجالات القائمة بين أركان الحكم حول ملف النازحين، يحتوي قي طياته على مكاسب انتخابيّة ومواقف شعبويّة فقط، فإن حلّ مشكلة النازحين سيبقى معلّقا الى ما بعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل، أو أنْ تؤدّي التطورات في الداخل السوري الى غلبة فريق على آخر، يمكن ان تخلص لبنان من هذا الكابوس الاكثر خطورة على الاوضاع الداخليةّ وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والأمنية .