في إنتخابات العام 2005 النيابيّة نجح فريق "​ثورة الأرز​" في حصد أغلبيّة عدديّة في مجلس النوّاب اللبناني، وفي العام 2009 تكرّر الأمر نفسه، الأمر الذي مكّن هذا الفريق من تشكيل أكثر من حُكومة بغالبية وزارية واضحة لصالحه على الرغم من الضغوط السياسيّة والإعتصامات الشعبيّة وحتى الإغتيالات التي كانت تُلاحقه. لكنّ إنتقال رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب ​وليد جنبلاط​ من موقعه كرأس حربة ضُمن قوى "ثورة الأرز" إلى موقع وسطي إعتبارًا من العام 2011، أفقد هذا الفريق الأغلبيّة التي كان يتحصّن بها، قبل أن تأتي الإنقسامات الداخليّة الكثيرة بين أعضائه، لتنهي عمليًا ما كان يُعرف بإسم "قوى ​14 آذار​". واليوم وعلى بُعد نحو نصف عام تقريبًا من دورة الإنتخابات النيابيّة لعام 2018، بيد من ستكون الأغلبيّة العدديّة في مجلس النوّاب المُقبل؟.

لا شكّ أنّ القانون الجديد للإنتخابات وفق مبدأ "التصويت النسبي" يصبّ أكثر في صالح قوى "8 آذار" السابقة منه في صالح قوى "14 آذار" السابقة، لأنّ هذا القانون يُعطي الأفضليّة للأكثريّة العدديّة في الدوائر الإنتخابية لحصد أكبر قدر مُمكن من "الحاصل الإنتخابي"(1)، وهذا الأمر يصبّ في صالح "8 آذار" بحسب ما أظهرت نتائج إنتخابات العام 2009 الأخيرة، حيث كانت الأغلبيّة العدديّة الشعبيّة في لبنان معها، على الرغم من فوز "14 آذار" بالأغلبيّة النيابيّة آنذاك، وذلك بفضل توزّع الناخبين المُؤيّدين لها على تقسيمات الدوائر في حينه، وليس بحكم إجمالي عدد المُؤيّدين بالمُطلق. والقانون النسبي يُتيح أيضًا للأقليّات في الدوائر خرق اللوائح، إذا كان عديد هذه الأقليّات كافيًا لتأمين "الحاصل الإنتخابي" لخرق مقاعد الأغلبيّة العدديّة الحاكمة في أي دائرة إنتخابية. وهذا الأمر يصبّ أيضًا في صالح قوى "8 آذار"، لأنّه-ودائمًا بحسب نتائج إنتخابات العام 2009، الأقليّات المُعارضة للثنائي الشيعي مثلاً في البيئة الشيعيّة هي أقلّ عددًا وأضعف تنظيمًا مُقارنة بالأقليّات المُعارضة لتيّار "المُستقبل" في البيئة السنّية، وحتى للحزب "الإشتراكي" في البيئة الدرزيّة.

إلى ذلك، يُواجه فريق "قوى 14 آذار" مُعضلة أخرى تتمثّل في تكاثر الإنقسامات في صُفوفه، وفي نيّة العديد من الشخصيّات المُنتمية إليه الترشّح على لوائح قد تكون مُتقابلة، ومن شأن هذا الأمر –في حال حُصوله أن يسمح للوائح الخُصوم بالإستفادة من هذا الإنقسام لتعزيز موقعها الإنتخابي، بشرط ألاّ تكون أصواتها هي الأخرى مُشتّتة على لوائح عدّة. وبحسب أكثر من تجربة سابقة، فإنّ "حزب الله"- وبما يملكه من مَونة ومن هيبة لدى قوى "8 آذار"، قادر إلى حدّ كبير على ضبط إيقاع ترشيحات أغلبيّة الشخصيّات التي تُغرّد سياسيًا تحت جناحيه مع إستثناءات محدودة(2)، بينما لا يُوجد "مايسترو" واحد بهذه الفعاليّة والسَطوة لدى قوى "14 آذار". وما بدأ يتسرّب عن ترشيحات وعن لوائح كاملة في مُقابل لوائح "تيّار المُستقبل" من قبل شخصيّات مثل وزير العدل السابق ​أشرف ريفي​، والنائب ​خالد الضاهر​ وسواهما، وكذلك عن ترشيحات مُقابلة للوائح حزب "القوات اللبنالنيّة" من قبل "​الكتائب​ اللبنانيّة" وأخرى مُوازية لكلاهما من قبل شخصيّات مُصنّفة مُستقلّة(3)، لا يُبشّر بالخير بالنسبة إلى إحتفاظ القوى المُنوّعة لفريق "ثورة الأرز" بالأغلبيّة النيابيّة، ما لم يبدأ قياديّوه العمل سريعًا على إحتواء هذا التوجّه.

في الختام، من الضروري الإشارة إلى أنّ ما سبق مَبني على تحليل نظري، حيث أنّ النتائج النهائية الفعليّة، وعلى الرغم من العوامل المؤثّرة والحاسمة المذكورة أعلاه، ستتحدّد تبعًا لطبيعة اللوائح التي سيتمّ تشكيلها، وتبعًا لطبيعة التحالفات التي سيتمّ نسجها في نهاية المطاف. وهذا الأمر يشمل قوى "8 و14 آذار" السابقة على السواء، والقوى والفاعليّات المُستقلّة أيضًا. وعلى سبيل المثال، حتى لو كانت إحدى الجهات السياسيّة الفاعلة تملك أغلبيّة عددّية في دائرة إنتخابيّة مُعيّنة، فهي يُمكن ألاّ تفوز سوى بعدد قليل من المقاعد في حال لم تُوحّد جُهودها في لائحة واحدة، لأنّ تعدّد اللوائح يُبدّد الأصوات ويُقسّم المُناصرين والمُؤيّدين. كما أنّ عدم إستخدام "الصوت التفضيلي" بشكل مدروس بدقّة، يُمكن بدوره أن يؤدّي إلى خسائر غير محسوبة، حيث أنّ "الصوت التفضيلي" لمقعد مذهبي مُعيّن يُمكن أن يُحوّل أحد الفائزين بحسب "الحاصل الإنتخابي" إلى خاسر كون فوزه غير مدعوم بالصوت التفضيلي الذي يذهب عندها لمنافس له على لائحة مُقابلة.

1- أي عدد المُقترعين مقسومًا على عدد المقاعد النيابية في كل دائرة إنتخابيّة.

2- الإستثناء قد يطال هذة المرّة مرشّحي كل من تيّاري "الوطني الحُرّ" و"​المردة​".

3- منها مثلاً لائحة في ​كسروان​ ستضمّ كلاً من النائبين السابقين ​فارس سعيد​ و​منصور غانم البون​ ورجل الأعمال ​مارون الحلو​ وغيرهم.