في 31 تشرين الثاني 2017، يطفئ رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ شمعته الرئاسية الأولى، بعد عام على إنتخابه نتيجة التسوية بين التيار "الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" أولاً، ومن ثم بين التيار "الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، التي كان من أبرز بنودها عودة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ إلى السراي الحكومي، بالإضافة إلى دخول "القوات" الحكومة الأولى في العهد بحصة وازنة من 3 وزارات: الصحة العامة، الإعلام، الشؤون الإجتماعية.

على مدى عام تبدلت المعطيات، أبرزها على مستوى العلاقة بين مختلف الأفرقاء، لكن الأكيد أن رئيس الجمهورية نجح في تحقيق العديد من الإنجازات تمثلت في إنهاء ملفات كانت عالقة منذ سنوات، لكن الظروف لم تسمح بتجاوز بعض المطبّات التي كان من الأفضل للعهد تخطيها.

إنجازات متعددة

على الرغم من أن رهان المواطنين على عهد الرئيس عون كان كبيراً، والبعض بدأ يتحدث عن عدم إنجاز الكثير على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، إلا أن ذلك لا يلغي ما حققه رئيس الجمهورية في السنة الأولى، مع العلم أن ما يطالب به تتحمل مسؤوليته الحكومة حيث يتشارك فيها أغلب القوى السياسية.

من أبرز هذه الإنجازات، النجاح في إنهاء ​التعيينات الأمنية​ والعسكرية، في ​8 آذار​ 2017، بعد سنوات من ​التمديد​ الذي لحق بها، الأمر الذي شكل دافعاً لها في العمل، لا سيما على مستوى ملاحقة الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيمي "داعش" و"النصرة"، بالإضافة إلى تأمينه الغطاء السياسي اللازم لعملية "​فجر الجرود​"، التي قادت إلى طرد المجموعات الإرهابية المرتبطة بالتنظيمين من ​جرود عرسال​ و​رأس بعلبك​ والقاع، والتي تم الإعلان عن إنتهائها في 20 آب 2017، بالإضافة إلى كشف مصير العسكريين الذين كانوا مخطوفين.

بالإضافة إلى ذلك، نجح رئيس الجمهورية، بعد أن أقدم، في 12 نيسان 2017، على إستخدام صلاحياته في تعليق عمل ​المجلس النيابي​ المنصوص عنها في المادة 59 من الدستور، بدفع الأفرقاء السياسيين إلى التوافق على قانون جديد للإنتخابات تم إقراره في 16 حزيران 2017، من المفترض أن تجري على أساسه في شهر أيار من العام 2018، بعد أن كان البعض يراهن على تمديد ولاية المجلس، للمرة الثالثة على التوالي، قبل الإتفاق على القانون الجديد.

في 18 تموز 2017 كان الإنجاز الأبرز في عهد الرئيس عون، من خلال إقرار ​سلسلة الرتب والرواتب​ التي كان ينتظرها الموظفون في ​القطاع العام​ منذ سنوات طويلة، بالرغم من اللغط الذي رافقها بسبب قانون الضرائب، في حين تم إقرار ​التشكيلات الدبلوماسية​ في 20 تموز 2017، و​التشكيلات القضائية​ في 10 تشرين الأول، إلا أن الأهم يبقى إقرار ​الموازنة​ العامة لعام 2017، بعد 12 عاماً من الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية.

إخفاقات غير متوقعة

على الرغم من هذه الإنجازات التي تحققت في السنة الأولى من عهد عون، إلا أن هذا لا يمنع وجود 3 إخفاقات لم يكن من المتوقع أن تحصل في ظل وجوده في رئاسة الجمهورية، مع العلم أن واحدا منها من الممكن أن تكون مبررة بالأسباب التقنية.

على هذا الصعيد، يأتي الإخفاق الأول من خلال تمرير قانون تمديد ولاية المجلس النيابي للمرة الثالثة بالتزامن مع إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية، بالرغم من أن رئيس الجمهورية كان هو من يتولى معارضة مثل هذا الإجراء في التمديدين السابقين، وبالتالي لم يكن يتوقع منه أن يسمح بحصول هذا الأمر.

​​​​​​​

وفي حين من الممكن تبرير الإخفاق الأول بالظروف التقنية، التي تمنع إجراء الإنتخابات على أساس القانون الجديد من دون حصولها، لا يمكن تبرير الإخفاق الثاني المتمثل بعدم إجراء الإنتخابات الفرعية في دائرتي طرابلس وكسروان بأي شكل من الأشكال، كونه يمثل مخالفة صريحة وواضحة للمادة 41 من الدستور، لا سيما أن وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ كان قد أكّد في أكثر من مناسبة أن الوزارة جاهزة.

على صعيد متصل، سُجل خلال إقرار الموازنة العامة لسنة 2017 مخالفة دستورية أخرى للمادة 87، من خلال تأجيل قطع حساب 2015 في ​قانون الموازنة​، مع العلم أن المادة المذكورة تنص صراحة على "أن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة".

إختلال ركائز التسوية

على مقربة من موعد ​الإنتخابات النيابية​ في شهر أيار من العام المقبل، يبدو أن ركائز التسوية التي قادت إلى إنتخاب رئيس الجمهورية باتت مهددة على أكثر من صعيد، مع العلم أنه في البداية كانت الأنظار تتجه إلى الدور الذي سيمارسه رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، بعد أن كان أعلن عن "الجهاد الأكبر" ونيته خوض تجربة المعارضة، لكن بعد ذلك دخل رئيس المجلس النيابي في التسوية من خلال المشاركة في الحكومة، بالإضافة إلى رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​.

وفي حين أنّ العلاقة بين عون وبري وفرنجية ليست في أحسن حال بكل تأكيد، تبدو المفارقة في التحديات التي بات يواجهها العهد في العلاقة مع كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ ورئيس الحكومة سعد الحريري، خصوصاً بعد تهديد الأول بالإستقالة من الحكومة نتيجة الخلافات حول البعض من الملفات، بينما لدى الثاني خطوطاً حمراء لا يرغب في تجاوزها، لا سيما على مستوى العلاقة مع ​الحكومة السورية​ بسبب الضغوط التي تمارس عليه من جانب المملكة العربية السعودية، وهو ما ظهر بعد اللقاء بين وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ ونظيره السوري ​وليد المعلم​.

ما تقدم، لا يلغي العلاقة المتوترة بين "​التيار الوطني الحر​" وحزب "الكتائب"، بعد أن قرر الأخير أن يكون في صفوف المعارضة، ولا بين التيار ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​، الذي لا يرى نفسه شريكاً في العهد الجديد، بينما يرفع التنافس في الإنتخابات من منسوب التوتر بين الجانبين، الذي ترجم مؤخراً بعد مواقف الوزير باسيل في زيارته إلى بلدة رشميا في قضاء الشوف.

من هذا المنطلق، يبدو العهد أمام تحدٍّ كبير، في المرحلة المقبلة، يتمثل بمواقف بعض القوى الإقليمية والدولية من "​حزب الله​" الحليف الأبرز له، بالإضافة إلى ملف العلاقة مع الحكومة السورية، التي ستكون البوابة الرئيسية لمعالجة أزمة ​النازحين السوريين​ التي تضغط على مختلف الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية الداخلية.