قول رئيس "تيّار ​المردة​" النائب سليمان فرنجيّة انّه "بهمّة ​جبران باسيل​ قد أجلس مع ​سمير جعجع​ قبل ​ميشال عون​" ليس وليد ساعته، بل هو عبارة عن طريق طويل تردّت فيه العلاقة بين الطرفين، لجملة من الأسباب، يُمكن إختصارها بالشكل التالي:

أوّلاً: العلاقة بين "التيار الوطني الحرّ" و"تيّار المردة" تدهورت على الرغم من الإنتماء إلى كتلة سياسيّة واحدة في مرحلة من المراحل، نتيجة إعتبار النائب فرنجيّة أنّ العماد ميشال عون - وقبل إنتخابه رئيسًا، لم يتعامل معه كقطب سياسي أساسي إنّما كرئيس كتلة نيابية صغيرة مُلحقة بتكتّل "التغيير والإصلاح"، ولم يكن يستشيره في الخيارات السياسيّة الكبرى على الرغم من التموضع ضُمن خطّ سياسي عريض مُوحّد، الأمر الذي أدّى إلى مُقاطعة فرنجية لإجتماعات التكتّل بداية، قبل أن يغيب مُمثّلو "المردة" عن هذه الإجتماعات في مرحلة لاحقة.

ثانيًا: فرّقت المصالح المُتضاربة بين العماد عون والنائب فرنجية خلال مرحلة ​الفراغ الرئاسي​، عندما حاول كل من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة الحالي ​سعد الحريري​ والنائب ​وليد جنبلاط​ تسويق فرنجيّة للرئاسة، الأمر الذي نقل الخلافات الثنائيّة إلى مرحلة جديدة كليًا، بحيث إنتقلت من مُجرّد زكزكات سياسيّة ومناطقية وخلافات نُفوذ محدودة، إلى خُصومة مُستحكمة.

ثالثًا: أدّى تمسّك كل من العماد عون والنائب فرنجيّة بترشيحيهما على الرغم من الوساطات والتدخّلات، إلى تنامي الخلاف الثنائي، ولم يُسدل إنتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة الستار على هذا المشهد، بسبب التصويت الإعتراضي من جانب فرنجية وبعض حلفائه خلال جلسة الإنتخاب، ثم نتيجة إقتصار تمثيل "المردة" بمقعد وزاري واحد في الحكومة الحالية، مع حقيبة ما كانت لتتأمّن له لولا تدخّل "الثنائي الشيعي".

رابعًا: على الرغم من أكثر من وساطة لفتح صفحة جديدة بين "الوطني الحرّ" و"المردة"، فإنّ الأمر إقتصر على لقاء ثُنائي مُباشر يتيم بين الرئيس عون والنائب فرنجيّة، في الوقت الذي زادت العلاقة الشخصيّة التي تجمع رئيس "الوطني الحُرّ" ورئيس "المردة" سوءًا. فوزير الخارجية جبران باسيل والنائب فرنجيّة، يتنافسان إنتخابيًا كونهما يقعان ضُمن دائرة إنتخابية واحدة، بحسب القانون الجديد للإنتخابات، هي دائرة "زغرتا – ​الكورة​ – ​البترون​ – بشرّي"، ويؤمن كل منهما ان ثقله في هذه الدائرة يشكل الفارق.

خامسًا: إعتقاد النائب فرنجية أنّ السبب الوحيد الذي حال دون إنتخابه رئيسًا للجُمهوريّة في الدورة الأخيرة يعود إلى التعهّد الذي كان قطعه "​حزب الله​" للعماد عون، والذي ألزم "الحزب" على الوفاء به، وثقته بحتميّة إنتخابه في الدورة المُقبلة، وذلك في مُقابل ثقة الوزير باسيل أنّ مبدأ "الرئيس القوي" الذي أفضى إلى إنتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة، مُضافًا إليها سلسلة تفاهمات وإتفاقات مع كل من "حزب الله" و"القوات اللبنانيّة" وتيّار "المُستقبل"، سيقوده إلى قصر بعبدا في الدورة المُقبلة من المُنطلقات نفسها. وبالتالي إنّ كلاً من الوزير باسيل والنائب فرنجية يعتبر أنّ العقبة الوحيدة التي يُمكن أن تقف أمام طموحه بالوصول إلى الرئاسة تكمن في إمكان ترشّح أحدهما بوجه الآخر.

سادسًا: تصرّف رئيس "التيار الوطني الحُرّ" من موقع قوّة وتعالي، كونه يرأس الكتلة النيابيّة الأكبر مسيحيًا، وكون "التيّار" بات يُمسك بجزء كبير من السُلطة من أعلى الهرم نُزولاً، إضافة إلى شعبيّته الواسعة، الأمر الذي جعل مُنافسي "التيّار" على الساحة المسيحيّة يبحثون عن مختلف الخيارات المُتاحة لمُواجهة هذا التمدّد، ويتجاوزون خلافات سابقة لمنع إستفرادهم.

سابعًا: أدّى التباعد المُتزايد بين رئيس "الوطني الحُرّ" من جهة، وكل من رئيس "القوّات" ورئيس "تيّار المردة" من جهة أخرى، إلى تسريع وتيرة التقارب بين "القوات" و"المردة" والتي كانت قد بدأت منذ فترة طويلة عبر تنظيم الخلاف الثنائي. كما ان تجاوز حادثة النائب ​ستريدا جعجع​ في ​أستراليا​ أخيرًا، أسفر عن منح جُهود التقارب دفعة مُهمّة، أعادت معها إلى الواجهة إحتمال لقاء كل من رئيس "المردة" و"القوّات" بشكل مُباشر.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ طريق فرنجية صار أقرب إلى جعجع منه إلى عون، ليس بسبب تقارب سياسي بينهما، وبالتأكيد ليس نتيجة رؤية إستراتيجية مُوحّدة، بل بفعل تزايد خلافات كل منهما مع باسيل، المنافس الأبرز على الرئاسة، علمًا أنّ "الطموح الرئاسي" لهؤلاء الأقطاب الثلاثة سيُبقي التنافس بينهم قائمًا، ليس إلى حين إجراء الإنتخابات النيابيّة في أيّار 2018، إنما حتى موعد الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة!