أكد وزير المال ​علي حسن خليل​ في كلمة له خلال مؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية في ​البيال​ أن "نقول الطاقات اللبنانية، من البديهيات أن تحضر صورة لبنان بجغرافيته وموقعه، وبثرواته المائية والنفطية , والجمالية والدينية كما تحضر صورة وطن الحوار لبنان، برسالته التي عبّر عنها البابا القديس يوحنا الثاني، صورة الوطن الذي نسعى لان يكون ملتقى الحضارات. كما تحضر صورة اللبناني عبر تاريخ وجوده على هذه البقعة وما خلق وما أبدع في أكثر من مجال ثقافي واقتصادي وتجاري وسياحي على مدى التاريخ المليء بالحقبات المختلفة التي فيها من التحديات أكثر مما فيها من الرفاه والاسترخاء، واذا استثنينا التحديات السياسية والامنية، يضاف اليها الاعتداءات والاطماع الاسرائيلية التي غالبا ما كانت تضفي على واقعنا حالاً من اللا استقرار ، فان التحديات الاقتصادية والاجتماعية لم تكن في المقابل تمر بالشكل السلس والسهل، وهي على هذه الصورة مستمرة حتى الآن".

و أوضح خليل أنه "من منطلق ايماننا بالإنسان اللبناني وبطاقاته العلمية، والتي دفعت العديد من ابناء هذا الوطن نحو العالمية، قادرون من خلال صوابية الاستثمار في هذه الطاقات وحسن توظيفها، وفي مقدمها الطاقات البشرية، مضافاً إليها ثروة وهبنا الله للبناننا في بحره. لقادرون على رفع مستوى الانتاجية المرجوة، ومستوى النتائج في كل قطاع من القطاعات"، مشيراً الى أنه "للوصول الى تلك النتائج المتوخاة يتوجب علينا اليوم أن نحدّد ونقيم التحديات العديدة التي تواجهنا بالاستناد إلى أسس واضحة وجلية تخولنا المعرفة الدقيقة للأمور والأولويات التي يجب ان نعالجها، ومعرفة قدراتنا، مستفيدين من الوضع الداخلي المتماسك والوضع الامني المستتب الامر الذي يساعدنا على ان نوجّه قدراتنا إلى الشأنين الاقتصادي والاجتماعي".

ولفت الى ان "هذا يتطلب منا رسم خارطة طريق واضحة تخولنا أن نستغل قدراتنا المتاحة وخاصة قدرات شبابنا بالشكل الامثل تعليماً وتدريباً لكي نرفع من أمانيه وطموحاته ونتخطى مرحلة إحباطه التي أدت إلى خوض غمار أسواق العمل في الخارج وأن نستغل طاقته الواعدة بالشكل الذي يحصّن اقتصادنا ويحصّن واقع شبابنا ويحقق أحلامه، فمثلاً وفي النظر إلى اقتصادنا وتقييمه بتجرد، نطرح السؤال: ما هي العوامل التي أدت إلى إحباط وتذليل شبابنا وقدراتنا؟".

وأكد خليل أنه "شهد لبنان خلال السنوات السابقة أزمات عديدة على مختلف الأصعدة؛ حيث أن عدم الإستقرار الأمني والإقتصادي في الدول المجاورة لا سيّما تداعيات ​الأزمة السورية​ من جهة، و​الفراغ الرئاسي​ اللبناني الذي دام لحوالي سنتين ونصف من جهّة أخرى، أدّيا إلى تدنّي نسبة النموّ ما دون الأرقام المقدرة وما دون الإمكانيات المحتملة للإقتصاد اللبناني والتي تقدر بحوالي 5%. فخلال السنوات الخمس الأخيرة، ومع بدء الأزمة السورية في العام 2011، إنخفض معدل النموّ إلى 1.8% خلال هذه الفترة، بالمقارنة مع معدلّ نموّ مرتفع وصل إلى 6.9% في مرحلة ما بين 2005 و2010"، مشيراً الى أنه "بالنظر إلى الفترة الممتدة من عام ٢٠٠٥ إلى عام ٢٠١٦ يمكننا أن نرى بوضوح أن ​الإقتصاد اللبناني​ مرّ في مرحلتين أساسيتين. الأولى إمتدت من بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان والنهضة العمرانية التي إبتدأت في٢٠٠٧ حتى نهاية ٢٠١٠، إذ شهد فيها لبنان إنتعاش للحركة الإقتصادية ونمواً إستثنائياً إنعكس بشكل إيجابي على أداء المالية العامة وأدى إلى تراجع نسبة ​الدين العام​ من الناتج المحلي بشكل ملحوظ. وبالرغم من أهمية هذه المرحلة وأثرها على النموّ الإقتصادي والمالي، فهي كانت غير مستدامة بسبب إعتمادها بشكل أساسي على قطاعات متقلبة مثل قطاعي السياحة والعقارات، أما التحسن المؤقت في المالية العامة خلال هذه الفترة، فقد أحجب المشاكل الهيكلية والتنظيمية في القطاع العام والتي تجلّت نتائجها بوضوح في مرحلة ما بعد ٢٠١٠. فالمرحلة الثانية الممتدة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٦ شهدت تراجعاً حاداً في النموّ الإقتصادي أثر بشكل مباشر على المالية العامة من خلال إنخفاض في نسبة الإيرادات وبمستوى نفقات مرتفع والذي تكوّن من بنود ملزمة مثل كلفة الدين والرواتب والأجور وملحقاتها، بالإضافة إلى ملفات طال الوقت على البت فيها مثل البنى التحتية المترهلة والضعف في جباية الضرائب، فبذلك عادت نسبة الدين العام إلى نمط تصاعدي مع توقعات لنموّ متواضع في السنوات القادمة نلحظ أهمية الإصلاحات الضرورية لتفادي تداعيات سلبية على العجز والإستقرار المالي والإقتصادي".

وشدد على أن "النواقص العديدة في الادارة وفي البنى التحتية في جميع المرافق أدت إلى تكلفة عالية ووضع غير مؤات للاستثمار الخاص. وهو العامود الفقري لنمو الاقتصاد وخلق الفرص: ولقد أتى تصنيف لبنان من الدول الأدنى في بيئته لاستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وبلغ تصنيفه الأخير 126 بين 186 دولة بينما تحقق سنغافورة على سبيل المثال الدرجة الثالثة عالمياً، ودولياً أيضاً يؤخذ على لبنان في الظرف الحالي، أنه لا يوفر المحيط المشجع للأعمال، ويعتبر من الدول ذات المخاطر المرتفعة. وحسب تقرير ال World Economic Forum يعاني القطاع الخاص من مشاكل عدة ادت إلى تصنيف قدرة ​الاقتصاد اللبناني​ التنافسية للرقم 101 على أساس مسح شمل 144 دول جرى في عام 2016. وأبرز العوامل التي أدت الى تلك المشاكل :البنية التحتية المصنفة 117/144، السياسات الاقتصادية 136/144، فعالية سوق العمل 104/144، فعالية الاسواق ة 69/144، و هي تصنيفات متدنية بطبيعة الحال بالمقارنة مع الدول ألأخرى".

ورأى خليل أن "من اهم العوائق التي تواجه مؤسسات الاعمال يبرز الفساد وبيروقراطية القطاع العام والمستوى المنخفض للمسؤولية في العمل، من هنا يتوجب علينا معالجة جميع العوائق التي تواجهنا من نقص في خدمات المؤسسات، والتشريعات والاجراءات المعقدة في مجالات عدة. ولا يكفي أن نولي الاهتمام لمرحلة واحدة كاقرار ​الموازنة​، التي برزت عندنا كخطوة ضرورية فيما هي تعتبر في الدول الاخرى أمراً واقعاً".

وشدد على انه "لا بد من ان نقوم بصياغة حلول سريعة لمشاكل إدارة القطاعات، ما يستوجب قرارات تكون نتائجها آنية مقارنة بالاستثمارات الكبيرة التي تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها، وهذا يفرض ان تركز الخطوات الاولى على توفير المناخ الملائم لعمل وتطوير القطاع الخاص، اضافة إلى توفير البنية التحتية لدعمه راهناً ومستقبلاً، وان تقوم الدولة بدور المكمل لدور القطاع الخاص وليس البديل عنه، فيقتصر عملها على القطاعات ذات التكلفة المنخفضة، أما في القطاعات الاخرى فمن المفيد ان يكون القطاع الخاص الرائد فيها لما لفوائده العديدة من خفض التكلفة ورفع الانتاجية".

وأوضح ان "الوصول الى الريادة يستلزم إدارة فعلية وفاعلة للمؤسسات في جميع المرافق وإعداد قوانين واضحة ومبسطة، وبنية تحتية تدعم القطاع الخاص ومشاركة هذا القطاع في تطوير سوق العمل وتبسيط الإجراءات.

أما على صعيد السياسات المالية والنقدية فلا بد ان تكون داعمة هي بدورها لعمل القطاع الخاص. وفي هذا الإطار يجب ان ينصب الاهتمام والجهد لتقليص الفجوة في الحسابات المالية بقدر الإمكان. ونحن لدينا القدرة على تحقيق ذلك في مجالات عدة"، مشيراً الى أنه "لقد كانت الضرائب المطروحة في موازنة عام 2017 خطوة في هذا الاتجاه كي نرفع ايرادات الدولة. وان كان أمامنا عدة اجراءات ضرورية وجب تنفيذها للوصول إلى وضع مالي متوازن لا يشكل عبئاً على الاقتصاد بل داعماً له، وتشمل هذه الاجراءات تحسين الجباية في جميع مرافق الدولة، أما في مجال النفقات فيجب إصلاح الكهرباء في أسرع وقت ممكن والإستفادة من قانون الشراكة مع القطاع الخاص ( (PPP. ووقف الهدر في مجالات اخرى، وخلق توازن مالي وخفض معدلات الفائدة لما له من اثر على دعم الليرة اللبنانية".

ولفت الى أنه "لقد جاءت زيادة الرواتب كعامل تستطيع الحكومة من خلاله ان تستقطب طاقات جديدة من القطاع الخاص وأن تتجه نحو تحسين القدرات بدلاً من زيادة الاعداد، اما على صعيد قطاع النفط والغاز نحن سنشهد وضع نتائج اول دورة تراخيص للمرة الأولى على جدول مجلس الوزراء والذي سيفتح الباب في ظلّ توافق سياسي على اكتمال الإطار التشريعي بما فيه قانون الصندوق السيادي، قانون الشركة الوطنية للبترول و قانون الأنشطة البترولية في البرّ. هذا القطاع ليس فقط فرصة تاريخية لانماء البلد بل فرصة لاسترجاع شبابنا و شاباتنا من المغترب والاستثمار في هذه الطاقات في سبيل لبنان".

وأشار الى أن "لبنان على مفترق طرق، فقد يواجه تحديات كبيرة في السنوات الخمس القادمة إمّا تصل به إلى سيناريوهات مالية وإقتصادية صعبة مليئة بالتعثرات والإخفاقات، أو سيناريوهات مكللة بالنجاحات والنهوض الإقتصادي في حال تحصّن لبنان من خلال إصلاحات هيكلية وضرورية. فالتطورات الخارجية في الأسواق المالية العالمية لا يمليها لبنان ولا إقتصاده، بلّ هو عرضة لها ويتأثر بشكل مباشر بها".

ورأى خليل أن "الخطوات الطارئة التي يجب على لبنان القيام بها هي: إصلاح قطاع الكهرباء الذي يهدد مصير الإقتصاد اللبناني بأكمله و تطوير البنية التحتية لتوفر القاعدة الانتاجية للقطاع الخاص، تحسين الإجراءات الإدارية وعمل المؤسسات في جميع المرافق، تطوير قطاع النفط والغاز بأسرع وقت، تعزيز قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتعزيز إيرادات الإتصالات وإصلاح القطاع ليصبح عصرياً ومتكاملاً، تطوير إنتاج القطاع الزراعي والصناعي للتخفيف من عبء العجز في الميزان التجاري الذي يؤثر على القطاع المالي، تطوير وتنويع القطاع السياحي لجذب السواح من مختلف مناطق العالم إستعداداً لمرحلة ما بعد الأزمة السورية، خلق فرص عمل جديدة وذلك بالإستفادة من المواهب البشرية الموجودة في لبنان، من خلال توجيهها وتأهيلها بحسب متطلبات أسواق العمل، فإذا ما تم تنفيذ الإصلاحات التي تستهدف كامل القطاعات، بالإضافة إلى استخراج النفط والغاز، وإذا تمت الإستفادة من إعادة إعمار سوريا، سوف يشهد لبنان تنوعاً في اقتصاده، الذي بدوره سيرفع من أدائه ويعزز قدرته على تجاوز أي نوع من الأزمات".