على الرغم من كلّ الهزّات الارتداديّة التي تعرّضت إليها، لا تزال العلاقة بين "​تيار المستقبل​" ممثّلاً برئيس الحكومة ​سعد الحريري​ و"​التيار الوطني الحر​" ممثّلاً برئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ومن خلفه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ مضبوطة إلى حدّ بعيد، وذلك منذ إبرام ما سُمّي بالتسوية الرئاسية الشهيرة التي أفضت لانتخاب عون رئيسًا للجمهورية وتسمية الحريري رئيسًا للحكومة.

إلا أنّ مؤشراتٍ كثيرة توحي أنّ هذا الواقع لا ينطبق على العلاقة بين الوزير باسيل ووزير الداخلية ​نهاد المشنوق​، اللذين لا يبدو مبالَغًا به القول أن الخلاف بينهما بات "شخصيًا" بشكلٍ أو بآخر، والذي وصل لحدّ "تحدي" باسيل للمشنوق واقتراحه "تبادل وزارتيهما" في الاجتماع ما قبل الأخير للجنة الوزارية لتطبيق ​قانون الانتخاب​، التي، وللمفارقة، انكفأت عن الاجتماع لأكثر من شهر بسب الخلاف بينهما أيضًا وأيضًا...

باسيل للداخليّة؟!

بدايةً، ربط كثيرون بين الموقف الذي اتّخذه باسيل في اللجنة المكلفة البحث بتطبيق قانون الانتخاب، و"الحساب" الذي كان المشنوق من بادر إلى فتحه، عندما تدخّل أكثر من مرّة في شؤون الخارجية وسجّل امتعاضه على سياستها.

من هنا، قد يكون مبالغًا به القول انّ "عين" باسيل هي على حقيبة الداخلية، وأنّه بالفعل يريد أن يأخذها من درب المشنوق، إلا أنّ ما لا شكّ فيه أنّه وجد في أداء الاخير وإدارته لها فرصة لـ"الثأر"، خصوصًا أنّ ​وزارة الداخلية​ هي المعنيّة الأولى بالتحضير للاستحقاق المصيريّ والمفصليّ الأهم، الذي ينتظره جميع اللبنانيين، أي الاستحقاق الانتخابيّ الذي سيكون الأول منذ العام 2009، إذا ما تمّ في موعده المقرّر في أيار 2018.

وفي هذا السياق، يسجّل وزير الخارجية على زميله أنّه حتى الآن لم يقم بما يتوجّب عليه لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها، سوى تكرار هذه المعزوفة ليلاً نهارًا، معطوفةً على

معزوفة عدم قدرة الوزارة على تحقيق الاصلاحات الانتخابية التي لحظها قانون الانتخاب، على قلّتها، من ​البطاقة الممغنطة​ التي تحوّلت نظريًا إلى بيومترية، وصولاً الى الاقتراع مكان السكن، الذي بات مهدّدًا من حيث المبدأ قبل أيّ شيء آخر، تارةً على وقع تسجيلٍ مُسبَق يصرّ باسيل على رفضه، وطورًا بحجج وذرائع أخرى.

ولعلّ ما يزيد من جدليّة العلاقة بين الرجلين، أنّ باسيل، الذي اعتبر هذه الاصلاحات سبباً كافيًا للسير بالتمديد التقنيّ للمجلس النيابيّ، وباتت بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت، لأنّها تعرّض مصداقيته أمام الرأي العام للمساءلة، بات يشكّ بأنّ وزير الداخلية هو من يعمل على "تطيير" هذه الاصلاحات عن سابق تصوّر وتصميم، من دون أيّ سببٍ وجيه، رغم أنّ كلّ الاعتمادات المالية التي طلبتها وزارته قُدّمت له من دون حدّ أدنى من النقاش.

المشنوق ممتعض...

ولكن، إذا كان وزير الخارجية مصرًا على تطبيق الاصلاحات، فإنّ وزير الداخلية في المقابل بات يعتبر نفسه محاصَرًا من كلّ الجهات، وكأنّ هناك من يريد وضع العصيّ في دواليب وزارته عن قصد، خصوصًا أنّه سبق أن دقّ جرس الانذار مرارًا وتكرارًا لجهة المهل التي عليه الالتزام بها من دون أن يلقى أيّ تجاوب، في وقتٍ تستمرّ القوى السياسيّة بالتراشق الكلاميّ حول تفصيلٍ من هنا أو من هنالك.

واذ يشعر وزير الداخلية بـ "امتعاض" من محاولات العرقلة، عمل من اجل حلّ وسط من خلال الخطة "ب" التي أعدّتها وزارته للتوفيق بين مختلف الآراء، بحيث يسير بخيار ​البطاقة البيومترية​ الذي يصرّ عليه باسيل بشكلٍ مجتزأ يُحصَر بالراغبين بالاقتراع مكان السكن، وفقًا لما تسمح به القدرات اللوجستية في الوقت المستقطع، وفي الوقت نفسه يسير بالتسجيل المسبق الذي يؤكد الخبراءز ضرورته في هذه الحال، بمُعزَلٍ عن الأعذار التي يعتمدها البعض لجهة تقييده حرية الناخب، إلا أنّه اصطدم هنا مجدّدًا بباسيل، الذي أصرّ على إمكانية تحضير بطاقاتٍ بيومترية لجميع اللبنانيين دون استثناء في أقلّ من ستّة أشهر.

وتكاد جلستا اللجنة اللتان عقدتا هذا الأسبوع تشكّلان سبباً إضافيًا بالنسبة للمشنوق للشعور بأنّ هناك من يريد إفشاله لغايةٍ في نفس يعقوب، بعد ان فشلتا في تحيق اي تقدم، وثمّة من يقول انّ وزير الداخلية طلب من رئيس الحكومة إدراج هذا الملف على جدول أعمال الحكومة لحسمه بشكل نهائيّ، وذلك لرفع مسؤولية أيّ تقصير عن نفسه، بعدما بدأ يشتمّ نوايا مبطنة من هذا القبيل لدى البعض.

صراع نفوذ...

لا شكّ أنّ المشنوق ليس من الشخصيات المفضّلة بالنسبة لباسيل، تمامًا كما أنّ العكس صحيح أيضًا، إلا أنّ الأكيد أنّ لا خلاف شخصيًا بين الرجلين، ولا كيمياء مفقودة ولا من يحزنون، بل إنّ القصّة لا تتعدّى الصراع على النفوذ والسلطة، في موسم انتخابات، يتّفق المشنوق وباسيل على ضرورة خوضها بكلّ شراسة، وإن اختلفا على آليّاتها حتى الرمق الأخير...