المُواجهة الدولية مع "​حزب الله​" بكل أبعادها الإقليميّة والدَوليّة ليست بجديدة كما إرتداداتها على ​لبنان​، لكنّ مَوجة الضغوط الحالية والمُتصاعدة على "الحزب" لا تُبشّر بالخير بالنسبة إلى الإنعكاسات السلبيّة على الساحة الداخليّة في لبنان. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: الإدارة الأميركيّة بقيادة الرئيس ​دونالد ترامب​ أخذت قرارًا بتصعيد المُواجهة مع ​إيران​ لكن من دون التنصّل من تعهّدات الإتفاق الذي عُقد معها في نيسان من العام 2015 (1)، ما يعني حُكمًا مُواجهتها عبر ضغوط مُختلفة تُمارس عليها وعلى القوى المُموّلة والمَدعومة والمُسلّحة من قبلها، وفي طليعتها "حزب الله". ويترافق الحصار المالي الذي تسعى واشنطن لإحكامه، مع حملات سياسيّة وإعلاميّة جديدة ترمي إلى تشويه سمعة "الحزب" من خلال العمل على إقناع أكبر مجموعة مُمكنة من الدولبلصق صفة "التنظيم الإرهابي" به. وليس صدفة قيام الإدارة الأميركيّة بسحب ملفّ تفجير مقرّ ​المارينز​ في بيروت في العام 1983 (2) من الجرّار، لإدانة "حزب الله" أكثر فأكثر، ولتبرير العمليّات الإنتقاميّة منه. ولا شكّ أنّ لبنان لن يكون بمنأى عن الإرتدادات المالية والإقتصادية السلبيّة لكل هذه الإجراءات الأميركيّة، حيث سيكون على نظامه المصرفي السير بين الألغام – إذا جاز التعبير، للخروج بأقلّ أضرار مُمكنة، علمًا أنّ من شأن إستهداف المَنظومة المالية والإقتصادية لحزب الله، وكلّ الدائرين في فلكها، أن يُؤثّر سلبًا على الدورة الإقتصادية والمالية الكاملة للبنان وللشعب اللبناني عُمومًا، ولوّ بشكل جزئي.

ثانيًا: المملكة العربيّة السُعودية التي لا تزال تخوض مُواجهة مفتوحة مع إيران منذ سنوات عدّة محورها السيطرة الإقليميّة، إضافة إلى الخلافات السياسيّة والمذهبيّة والعقائديّة، ماضية بدورها في تصعيد مُواجهتها مع "حزب الله" بالتحديد. وبالتالي، إنّ الضغوط السياسيّة ستتصاعد على الجانب اللبناني ككل، وعلى القُوى السياسيّة المُختلفة التي كانت تُصنّف في خانة مُناهضة للحزب، وذلك في مُحاولة لإفشال مُخطّط "حزب الله" لتحويل قضبته المَعنوية على السياسة اللبنانية إلى قبضة فعليّة وقانونيّة مُستقبلاً، في حال السيطرة على أغلبيّة أعضاء مجلس النوّاب في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة. ولا شكّ أنّ هذا الأمر سيُترجم تصعيدًا سياسيًا وإعلاميًا جديدًا بوجه "الحزب" الذي يُنتظر أن يردّ بتصعيد سياسي وإعلامي مُضاد.

ثالثًا: ​إسرائيل​ التي حرصت طوال الحرب السوريّة على اطالتها بهدف إضعاف كل الجهات المُتورّطة فيها، لا تُريد أن تنتهي المعارك في ​سوريا​ بتشكيل جبهة قتالية تُحاصرها من البحر في ​جنوب لبنان​ إلى أقصى ​الجولان​ السوري المحتلّ. لذلك، لن تتوانى إسرائيل عن اللجُوء إلى كل الوسائل المُتاحة لمنع خُصومها من تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي القادر على تبديل توازن القوى بشكل كامل في المُستقبل، الأمر الذي يُنذر ببقاء حال التوتّر قائمًا إلى أقصى الدرجات بين إسرائيل و"الحزب"، في إنتظار ما ستؤول إليه نتائج المُفاوضات الإقليمية والدَوليّة الخاصة بإنهاء الملفّ السوري.

رابعًا: التوقّعات بأن يكون العام 2018 عام الحُلول لكثير من قضايا وملفّات المنطقة، يعني أنّ الدول الإقليميّة والدوليّة ستدخل في عمليّة "شد حبال" أصعب من تلك القائمة حاليًا، قبل التوصّل لأيّ حلول. وبما أنّ "حزب الله" تحوّل إلى لاعب إقليمي بفعل تدخّله العسكري المُباشر في أكثر من جبهة، وخاصة في الحرب السوريّة، فإنّ الحُلول المُرتقبة ستطال ملفّه، بحيث يُمكن أن تقوم الدول المعنيّة بهذه المُفاوضات وفي طليعتها إيران و​روسيا​ بالدفاع عنه وبحمايته، ما سينعكس في لبنان توسًعًا إضافيًا لنُفوذ الحزب على حساب السُلطة المركزيّة. وفي حال قامت هذه الدُول المعنيّة بالمُفاوضات بالمُساومة على "الحزب"، وبالمُوافقة على "قصّ أجنحته"العسكريّة الخارجيّة في مُقابل تعزيز مصالحها الإقليميّة والدَوليّة، فإنّ الإرتدادات على الداخل اللبناني لن تكون إيجابيّة أيضًا.

في الخلاصة، لا يُمكن للمُواجهة المُتصاعدة التي يتعرّض لها "حزب الله" حاليًا من قبل أكثر من طرف إقليمي ودَولي، أن تمرّ دون إنعكاسات سلبيّة على الداخل اللبناني. لكنّ حجم الضرر الذي سيطال لبنان واللبنانيّين غير معروف ولا يُمكن تقديره من اليوم، كونه مُرتبط مُباشرة بكيفيّة تطوّر هذه المُواجهة وبنتائجها بطبيعة الحال.

(1) تمّ توقيع الإتفاق بعد سلسلة طويلة من جولات التفاوض بين إيران وكل من ​الولايات المتحدة الأميركية​ وروسيا و​الصين​ و​بريطانيا​ و​فرنسا​ و​ألمانيا​، وقضى بضبط برنامج إيران النووي في مُقابل رفع العقوبات الإقتصادية والمالية عنها.

(2) قُتل 241 عسكريًا من القوّات البحريّة الأميركية في تفجير إنتحاري إستهدف مقرّ قوّات المارينز في بيروت في العام 1983، بالتزامن مع تفجير إنتحاري ثان إستهدف القوّات الفرنسيّة التي كانت تعمل في لبنان في تلك الفترة، في إطار "قوّات حفظ سلام دَوليّة"، الأمر الذي أسفر عن إنسحاب هذه القوات من لبنان.