ليست عمليات الاغتيال التي تستهدف قيادات في "​هيئة تحرير الشام​" في منطقة ادلب والمستمرة منذ نحو 25 يوما بوتيرة شبه يومية، محض صدفة أو نتيجة لنجاح أعداء "​جبهة النصرة​" التي تُعتبر الركن الأساسي للهيئة، وهم كُثر، باختراقها أمنيا. ما يحصل في المحافظة في الشمال السوري والمحسوبة كليا على فصائل المعارضة وعلى رأسها "النصرة"، هو صراع داخلي في "هيئة تحرير الشام" بين الجناح الأكثر تشددا والمتمثل بـ"القاعدة" و​المهاجرين​ والجناح الأقل تشددا والذي يتزعمه ​أبو محمد الجولاني​ الحليف الوثيق لأنقرة.

وقد تفاقمت ظاهرة الاغتيالات والتي تتخذ أشكالا مختلفة، بين زرع العبوات الناسفة، وهي الأكثر رواجا او اطلاق النار او حتى الذبح والخطف، في الايام القليلة الماضية ما استدعى استنفارا في صفوف العناصر الأجانب في "هتش" باعتبار ان معظم المستهدفين هم من قيادات المهاجرين ومن العناصر المتشددة المقربة من فكر "القاعدة". ويقول مصدر في ​الجيش​ "الحر" متواجد في ادلب ان ما يحصل هو فعليا صراع داخلي بعدما باتت "الهيئة" منقسمة الى اكثر من لوبي، وبالتحديد الى جناحين رئيسيين الاول بقيادة سامي العريدي وأبو همام العسكري (القاعدة) والثاني بزعامة الجولاني الذي يسعى للتقارب من ​تركيا​ من خلال تنفيذ أجندتها.

ويشير المصدر الى ان "من يتم استهدافهم هم من الامراء الذين لا يعلم بتحركاتهم الا المقربين منهم، باعتبار انّهم يغيرون سياراتهم بشكل يومي ويعتمدون اجراءات مشددة جدا في تحركاتهم وفي تحديد أماكن تواجدهم ما يجعل الوصول اليهم بالأمر الصعب جدا لأخصامهم، فكيف اذا كنا نتحدث عن عمليات باتت شبه يومية". ويضيف: "على كل الاحوال فان مواقع التواصل تضج بالاتهامات المتبادلة بين الجناحين، والارجح ان أمنيين سجن العقاب والذين يشكلون الدائرة الضيقة للجولاني هم الذين يتولون تنفيذ هذه العمليات".

أما الخبير في الجماعات المتطرفة ​عبد الرحمن الحاج​ فيؤكد من جهته ان ما يحصل هو "جزء من صراع داخلي داخل هيئة تحرير الشام، ويعود في قسم منه إلى التحولات التي تجريها قيادات هيئة تحرير الشام لتفادي استهدافها وصدامها مع قوات التحالف الدولي والقوات التركية بشكل خاص"، لافتا الى ان "الخط المؤيد للتغيرات يرى البراغماتية ضرورية في المرحلة الراهنة وتخدم أهداف التنظيم على المدى البعيد، في حين يشكل المهاجرون وبشكل خاص القيادات الامنية والشرعية الاجنبية في التنظيم العائق الرئيسي أمام هذه التحولات وبالتالي من الطبيعي أن تُفهم هذه الاغتيالات على انها داخلية خصوصا انها شبه محصورة بالمهاجرين". ولا يستبعد الحاج ان تكون قوى خارجية ضالعة في عمليات الاغتيال تلك، "فهذا أمر وارد جدا باعتباره يحقق اضعاف شوكة التنظيم ويجعله أكثر انصياعا للضغوطات السياسية والعسكرية التي تمارس عليه".

بالمحصلة، أصبح واضحا ان عملية تفكيك "هيئة تحرير الشام" انطلقت، وهي عملية اتفق عليها الثلاثي الروسي–التركي–الايراني حين تم توكيل أنقرة بحل أزمة ادلب، وتحظى لا شك بمباركة أميركية واوروبية. ويبقى اسلوب الاغتيالات هو الانسب للقضاء على المتطرفين الذين ينتشرون بأعداد كبيرة في المحافظة التي لا تحتمل مواجهة عسكرية كبرى نظرا لحجم المدنيين الذين يعيشون فيها، ليكون على باقي عناصر "النصرة"، الأقل تطرفا، الاندماج بعدها في كيانات أخرى تحت مسميات شتى.