أوضح رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، في حديث لصحيفة "الراي" ​الكويت​ية أن "زيارتي الى الكويت ستكون مناسبةً لمناقشة العلاقات ال​لبنان​ية - الكويتية والرغبة الدائمة في تطويرها خدمةً لبلدينا وشعبينا، والتداول بالقضايا ذات الاهتمام المشترك. فالأوضاع الراهنة في العالم العربي تعنينا ونتأثّر بها كوننا جزءا من المشرق العربي، فالمنطقة مضطربة وهو الأمر الذي ينعكس علينا، فكل طرقنا في اتجاه ​الخليج​ مقفلة بسب الأحداث في ​سوريا​"، مؤكدا أنه "ليست لدينا عداوة مع أحد. على العكس نسعى دائماً من أجل أن تكون علاقاتنا مع الجميع في أفضل حال، تماماً كما هي مع الكويت، وكما تسعى الكويت اليه دائماً تجاه لبنان وغيره من الأشقاء العرب. فها هو سمو الأمير يقوم بالمساعي الحميدة للتوفيق بين المُخْتَلِفين في الخليج، ونحن بالمناسبة نشجّع هذا الدور ونتمنّى له التوفيق".

وجزم "أننا حريصون على أمن الكويت كحرصنا على أمن لبنان، اذ بالفعل يجب ان نُبقي العلاقة بين لبنان والكويت بمنأى عن أي شائبة وأن تكون سليمة مئة في المئة"، معلنا "أننا كلّفنا ​الأجهزة الأمنية​ بالبحث عمّن وردتْ أسماؤهم في خلية العبدلي ويبدو أنهم غير موجودين هنا، فلم نكتشف وجودهم، لكن تعليماتنا الدائمة هي متابعة هذه القضية ونامل أ نتوصل الى القبض عليهم. وثانياً، طبعاً إذا صحّ باعتبار انه لم يتمّ توقيفهم بعد ان هؤلاء انطلقوا من لبنان".

واعرب الرئيس عون عن انزعاجه "بحال انطلقت هذه الخلية من عندنا. لكننا مصرّون على اتخاذ الإجراءات في حال كان أحدٌ موجود هنا"، متسائلا: "ألم تقبض دولة الكويت عليهم جميعاً؟ المتهَم الرئيسي الفارّ، ليس عندنا، فلبنان بلد صغير والناس على معرفة ببعضهم البعض. ولكن أقول ليس عندنا الى الآن، ولا يمكن ان أنفي بشكل مطلق إمكان التخفي، فاليوم هناك هويات مزوّرة، ولا يمكن التواري الى الأبد، لكن سنكون بالمرصاد. بالأمس هرب من ​مخيم عين الحلوة​ اثنان من ​الإرهاب​يين ببطاقاتٍ مزوّرة وتم تغيير مظْهرهما كما فعل سابقاً ​أحمد الأسير​ الذي حاول الفرار عبر المطار، لكن بفضل المتابعة أُلقي القبض عليه".

وعن مشكلة ما في مسألة تعيين سفير جديد للبنان في الكويت بسبب تَحفُّظ الكويت عن الاسم المقترح، قال الرئيس عون: "لم يُرسل للكويت اسمٌ لسفير لبناني جديد بسبب ما بَلَغنا من تحفظات وتماشياً مع رغبة الكويت، وهذه المسألة ستُحل"، مؤكدا أنه " قضية ​النازحين السوريين​ في لبنان، ستطرح خلال الزيارة للكويت، فنحن نستقبل ما يوازي نصف سكان لبنان. والاكتظاظ على مساحة لبنان الصغيرة يولّد مشكلات كبيرة".

واضاف: "الحمد لله لقد قضينا على الإرهاب في معركةٍ عسكرية حقّق خلالها جيشنا انتصاراً باهراً، وما زالت هناك خلايا نائمة نقوم بتفكيكها وإلقاء القبض على رؤوسها وأفرادها عبر الجهد الاستباقي الذي تبذله مؤسساتُنا العسكرية والأمنية، فها نحن تمكنّا من شلّ قدرة الإرهاب ومنْعه من الحركة عبر اكتشاف خلاياه النائمة والانقضاض عليها قبل ان تحقق مخططاتها".

وعن ما اذا كان يتوقع حرباً اسرائيلية على لبنان، قال: "لا أعتقد ان هناك حرباً لأن اسرائيل لن تربح مثل هذه الحرب. فكل اللبنانيين مستعدّون لمقاومتها. صحيح اننا بلد صغير، ولكننا أرسينا مجدداً وحدتنا الوطنية التي ترتكز في أحد جوانبها على رفْض كل اللبنانيين أن يعتدي أحد على بلدهم".

وعن أبرز الإنجازات في "سنة أولى" من العهد، اعتبر الرئيس عون أن "إنهاء الشغور الرئاسي في ذاته شكل إنجازاً، الى جانب ما استتبعه من تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية. وخلال هذه السنة تَحقق أمرٌ بالغ الاهمية لطالما كان مطلباً رئيسياً ويتمثّل في إقرار ​قانون انتخاب​ جديد، والأهمّ انه يقوم على نظام الاقتراع النسبي الذي لم يسبق ان اعتُمد في لبنان والذي يسمح بعدالة التمثيل داخل الطوائف وحُسن التمثيل السياسي لمختلف الأحزاب والتيارات والفئات. وهذا القانون يجعل الانتخابات التي ستجري في مايو المقبل تكتسب أهمية خاصة، وهي ستحصل في موعدها".

ولفت الى "أننا نجحنا في السنة الأولى من العهد في بتّ مجموعة ملفات كانت عالقة منذ فترة طويلة بفعل التجاذبات السياسية، ومنها ​التشكيلات الدبلوماسية​ والقضائية وتعيين أعضاء ​المجلس الاقتصادي والاجتماعي​ الذي كان عمله معلّقاً منذ نحو 15 عاماً، وغيرها من تغييراتٍ طاولت مؤسسات رقابية وقطاعات ادارية. وكل هذا كان ضرورياً في الطريق لإنهاء حال الترهل التي قبضت على المؤسسات التي وضعناها على سكّة اصلاحية لأنها جزء أساسي من بنية الدولة"؟

واوضح الرئيس عون أن "التسوية السياسية التي أعادتْ انتظام عمل المؤسسات لها مرتكزاتٌ، أبرزها عدم التعرض للمعتقد السياسي للأفراد او الجماعات واحترام حقّ الاختلاف في الرأي الذي يسمح نتيجة تَعدُّد الافكار والطروحات بالوصول الى قرارات أكثر صوابية مما لو كنا أمام أحادية في التفكير او القرار. وطبعاً هذا شرطه القدرة على التفاهم كما سبق ان ذكرتُ، لان العكس يعني شلّ المؤسسات ووقْف عجلة الدولة"، مشيرا الى أن "ثمة مرتكزٌ أساسي في التسوية عنوانه استبعاد العنف في التعاطي بين بعضنا البعض ووضْع نصب عيوننا بناء لبنان على قاعدة اللا عنف والتفاهم على حفْظ أمن بلدنا بإزاء أي تهديد يتعرّض له من اي جهة".

وشدد على أنه "بالنسبة الى علاقاتنا مع ​الدول العربية​، فهي محكومة بالحرص عليها أشدّ الحرص مع حرصٍ موازٍ على وحدتنا الوطنية واعتماد الحياد حيال أشقائنا العرب بحال كان هناك خلاف بين شقيق وآخر، والاستعداد لتوظيف أّي كلمة طيبة في سبيل التشجيع على العودة الى التوافق والسلام".

وعن العلاقة مع رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​، قال عون: "من الأساس، وحتى عندما لم نكن متفقين سياسياً لم ينقطع التعاطف على المستوى الشخصي. ولديّ نوع من الغيرة على سعد، لانه بدأ باكراً مسيرته السياسية بعد استشهاد والده، وهو طيّب القلب ولديه إرادة لخدمة لبنان. بمعنى اننا نلتقي معه على الأهداف نفسها"، لافتا الى أن "البعض يلوم الرئيس الحريري على انه لا يَدخل في مشاكل معي، وأنا أتعرّض للوم في السياق نفسه، اي انهم يلوموننا لأننا متّفقان".

وشدد الرئيس عون على أن "التسوية السياسية صامدة والأمن لن يهتزّ. ونحن ماضون في القيام بما يلزم لترسيخ الاستقرار. والأمن يشكل ضمانة للجميع وهو ركيزة الاستقرار. ويمكن القول ان لبنان ينعم باستقرار أمني أكثر مما هو الحال في الدول الاوروبية"، وتابع: "إذا أضفْنا الى الأمن أن ​القضاء​ صار ضمانةً لكل اللبنانيين بفعل التعيينات والتشكيلات التي أنجزناها، يمكن القول إنه مع التسوية التي تشكل مظلة سياسية، فإن هذا الأمر يهيئ بيئة مناسبة لجذب المستثمرين. وفي هذا السياق يجب الإشارة الى العمل الجدي الذي يجري لتطوير البنية التحتية، وخلال أيام سيتم تلزيم عملية التنقيب عن ​النفط​. ورغم التعثر في ملف الكهرباء فإن الجهد منصبّ أيضاً على بتّ هذا الملف".

وأكد "أننا نحافظ على خط التوافق ولن نفترق كلبنانيين حول ملف التطبيع مع سوريا ولن أدخل فيه. ولكن لدينا مشكلة تتمثّل في قضية النازحين السوريين الذين يناهز عددهم 1.6 مليون نازح. وهذه صارت مشكلة لبنانية نحاول ان نعالجها مع المجتمع الدولي. وحتى الآن لم نصل الى نتيجة"، لافتا الى "أننا لاحظْنا ان ثمة استعداداً سورياً لحلول ثنائية لهذا الملف، وهذا ما حصلت معارضة داخلية له وتوقّف الأمر".

وسأل: "الآن، هل سيكون بمقدورنا ان نتحمّل المزيد من أعباء هذا الملف المُكْلف على مختلف المستويات في ظل عدم وجود استعداد دولي لإيجاد حلّ له في الوقت الحالي؟ هذا سؤال كبير، علماً ان واقعنا المالي والاقتصادي لم يعد يسمح لنا بمزيد من الاستنزاف. فنحن بلد لم تتجاوز نسبته النمو فيه 1.1 في المئة، وتالياً لا يمكنه تحمل أعباء مادية اضافية، وليس خافياً على أحد حجم ​الدين العام​ الذي يثقل كاهله".

وعن دور روسي في ملف النازحين على قاعدة ضمان إعادتهم الى مناطق خفْض التوتر، قال: "لا أعتقد انه ستكون هناك استجابة في هذه المرحلة. اجتمعتُ قبل مدة بسفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في ​مجلس الأمن​ ومعهم سفيرة الاتحاد الاوروبي ومندوب ​الجامعة العربية​ وممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان. وثمة اختلاف في الرأي معهم، فهم يقولون ان الأمن الشخصي للنازحين غير مضمون في سوريا ويريدون انتظار الحلّ السياسي لإطلاق مسار العودة مع تأكيدهم عليها. في المقابل لدينا وجهة نظر مغايرة تنطلق من ان سوريا تشهد مصالحات في مناطق عدة، ومَن يختار البقاء فيها يبقى، ومَن يفضّل المغادرة ينتقل الى حيث يريد، وغالبة هؤلاء يتوجهون الى ادلب. ومن هنا قلنا للمجتمع الدولي ان هذا يحصل مع المقاتلين فكيف بالحري مع مدنيين؟ علماً ان بينهم مَن يذهب الى سوريا ويعود الى لبنان".

أما بالنسبة الى الوضع السياسي في سوريا، رأى الرئيس عون أن "هناك دولٌ كبرى تريد التقسيم، وهذا أمرٌ تعبّر عنه تقارير في الصحف الأميركية خصوصاً. ولكن في المرحلة الأخيرة، أعتقد أن ما حصل في ​العراق​ أَبْعَدَ شبح التقسيم عنه. ويمكن اعتبار ذلك انكساراً لفكرة التقسيم. وفي سوريا حيث تُطرح ايضاً مسألة الأكراد، أعتقد ان الخطّ الدولي الأكبر بات ضدّ التقسيم"، مشيرا الى أن "التقسيم يزيد الكراهية بين الناس على عكس التعايش الذي سيجعلهم، بحال نجحوا في بلوغه مجدداً، يعيشون أكثر معنى التآلف ضمن الاختلاف. ونتمنى ألا يحصل أي تقسيم لأن من شأن ذلك ان يُفْقِد الدول العربية قوّتها وتَضامُنها، فنصبح كتلة ضعيفة".

وردا على سؤال حول موضوع السياح الخليجيين، وهل هناك تَصوُّر لطمْأنتهم، علق الرئيس عون قائلا: "لو كان هناك أي خطر لكنتُ اول من دعاك لعدم المجيء. ولكن لا توجد مخاطر على السياح الخليجيين ولا غيرهم وهم مرحّب بهم في بلدٍ لطالما احتضنهم على قدر محبّتهم له"، مشددا على أن " الأمن ممسوك في لبنان ولا يمكن لأي حزب ان يتعرّض لأي مواطن خليجي. علماً ان حصول أمر من هذا النوع من شأنه التسبّب بحال حرب داخلية في لبنان".

وأشار الى أن "الخليجيين يأتون الى لبنان وربما ثمة مناطق لا يحبّذون ان يقصدوها، ولا احد يجبرهم على زيارتها. ولكن المناطق التي يحبون ان يسكنوا فيها او يتواجدوا فيها كلها مصدر ارتياح لهم".

وردا على سؤال حول تحديد ملكية الكويتي العقارية خارج بيروت ولماذا لا تحصل استثناءات تشجيعية في هذا المجال، اوضح الرئيس أن "هذا الأمر يحتاج لتعديل القانون الذي يحدّد النسب المئوية للبيع، ونحن أمام مشكلة أخرى في هذا المجال. فبعض الإخوة العرب اشتروا أراضي ولم ينفذوا مشاريعهم، يأخذون الأرض للبناء على أساس رخصة لخمس سنوات بحسب القانون الذي ينص على استرداد الأرض في حال لم يُنفذ مشروع البناء. وتفادياً للمشكلة، مددنا الرخص لخمس سنوات اضافية. لذا نتمنى تنفيذها، اضافة الى ان هناك الكثير من المباني التي يملكها كويتيون ما زالت خاوية. هكذا هو الحال في مار تقلا وبعبدات وسواهما".

وأكد عون أن "روحُ التعاون بيننا وبين الكويت معروفةٌ وراسخةٌ وتعود لأزمنةٍ غابرة منذ أن قامتْ علاقات مباشرة بين بلدينا. فالتعاون السياسي بين لبنان والكويت كان دائماً على ما يرام والحضور الكويتي في ربوعنا علامةٌ مميّزة، هكذا كان وهكذا نريده دائماً"، مشددا على أن "العلاقات بين لبنان والكويت لم تشبها أيّ شائبة في أيّ يوم من الأيام، ونحن نؤكد تصميمنا على ديمومة هذا الصفاء وعلى تطوير تلك العلاقات، فما يهمّنا يهمّ الكويت وما يهمّ الكويت يهمّنا".

وعن علاقته ب​أمير الكويت​ الشيخ صباح الأحمد، اوضح أن "علاقتنا مميزة وقديمة تعود لأيام اللجنة السداسية في تونس. ففي تلك الاجتماعات أَظهر سموّه تَعاطُفاً حيال الأزمة اللبنانية، وكنا على تَفاهُمٍ بعدما تأكد من بعض الوقائع في الأوضاع التي كنا نواجهها آنذاك، وكان مقتنعاً بأننا أصحاب حق"، مشيرا الى أن "أمير الكويت بذل جهوداً كبيرة لكن لعبة القوى الدولية كانت ضدّنا، فعطّلوا اللجنة السداسية وعمدوا الى تشكيل لجنة ثلاثية أكدت هي الأخرى على ما خلصتْ اليه السداسية وهو كان في مصلحتنا".