يُعوّل أكثر من طرف مَعني ب​الحرب السورية​ بشكل أو بآخر، الكثير على زيارة الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ إلى طهران، فإضافة إلى القمّة الثلاثيّة التي تجمع رؤساء كل من ​روسيا​ و​إيران​ و​أذربيجان​ لإستكمال البحث في موضوع "ممرّ الشمال –الجنوب" الإقتصادي الحيوي(1) وفي مسألة إمدادات الغاز و​النفط​ أيضًا، سيُركّز الرئيس الروسي مع كبار المسؤولين الإيرانيّين على سُبل حلّ الأزمة السوريّة، إضافة إلى بحث مُستجدّات الملفّ النووي. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ بوتين يحمل معه نصيحة لإيران بشأن ​سوريا​، هي أقرب إلى التنازل الجزئي، علمًا أنّ من شأن الأخذ بها أن يُحدث فرقًا كبيرًا في الصراع القائم.

بحسب خلاصة تحاليل مَجموعة من الخبراء الغربيّين في شؤون ​الشرق الأوسط​، إنّ روسيا التي نجحت في تعبئة الفراغ الذي أحدثه ضُعف ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي السابق ​باراك أوباما​، تعمل حاليًا على إستكمال مُحاولاتها إيجاد الحل الأفضل-من وجهة نظرها، للحرب في سوريا، مُستفيدة من علاقاتها المُتعدّدة الأطراف. وليس بسرّ أنّ روسيا نجحت في جمع إيران و​تركيا​ تحت جناحيها في مُفاوضات "أستانة" بشكل مهّد الطريق لأكثر من إتفاق لوقف النار، وسمح بإقامة أكثر من "منطقة آمنة"في سوريا. ثم قامت روسيا بمُمارسة الكثير من الضُغوط على كل من ​الأردن​ والسعودية لوقف دعم الجماعات السوريّة المُعارضة بشكل كامل وتام، باعتبار أنّ هذا الدعم كان تراجع في الماضي غير البعيد إلى حُدوده الدنيا. وليس بسرّ أيضًا أنّ رئيس الوزراء ال​إسرائيل​ي بنيامين نتنياهو زار روسيا في أيلول الماضي حيث طلب بالحاح من القيادة الروسية التي تربطها بالقيادة الإسرائيليّة علاقات تعاون تاريخيّة، منع إيران من تحويل سوريا إلى قاعدة عسكريّة لها، لشنّ هجمات منها على إسرائيل. وفي تشرين الأوّل الماضي زار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز موسكو حيث وقّعبدوره مجموعة من الإتفاقات مع كبار المسؤولين الروس، في مُحاولة للتقارب مُجدّدًا من روسيا، وبالتالي للإلتفاف على مُحاولة إيران التفرّد بالقرارات الإقليميّة وحصد ثمار الحرب في سوريا، مُستفيدة من علاقاتها الوثيقة مع روسيا.

وبحسب الخبراء الغربيّين أنفسهم، إنّ الرئيس بوتين يُحاول تحقيق المُستحيل من خلال إقناع مُختلف القوى الإقليميّة الأساسيّة في الشرق الأوسط، أي إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل، بتسوية تحفظ مصالح الجميع إلى حدّ ما-ولوّ بنسب مُتفاوتة. وفي هذا السياق، سيسعى بوتين خلال مُحادثاته في طهران إلى إقناع المسؤولين الإيرانيّين بوُجوب تقديم بعض التنازلات في الملفّ السوري، بهدف الحفاظ على المُكتسبات التي تحقّقت ميدانيًا وتثبيتها، وكذلك بهدف تحضير الأجواء السياسيّة المُناسبة لتنشيط الوضع الإقتصادي في إيران. وبحسب المعلومات المُتوفّرة، فإنّ لا روسيا ولا إيران على إستعداد للإستجابة لطلب نتنياهو بخروج القوّات الإيرانيّة والجماعات المُوالية لها وفي طليعتها "​حزب الله​" من سوريا، ولا بالإستجابة إلى طلب إقامة منطقة خالية من التواجد العسكري الفعّال في محيط الحدُدود الإسرائيليّة - السوريّة حتى عُمق 40 كيلومترًا، لكنّ بوتين سيطلب من القيادة الإيرانيّة الحفاظ على الوضع الحُدودي المُستقرّ منذ أكثر من أربعة عُقود بين إسرائيل وسوريا، وسيحرص أيضًا على الطلب من طهران عدم إنشاء أيّ قواعد جويّة أو صاروخيّة لها أو لحلفائهافي سوريا، لأنّ من شأن هذا الأمر أن يدفع إسرائيل إلى مُهاجمتها، وبالتالي أن يدفع كامل المنطقة إلى حافة المُواجهة العسكريّة الشاملة، كون إسرائيل لن تقبل بسُقوط التوازن الإستراتيجي القائم في المنطقة منذ فترة طويلة. وبالتالي، ستُحاول روسيا التي تغضّ الطرف عن غارات إسرائيل المُتكرّرة على أهداف عسكريّة في سوريا، إقناع الإيرانيّين بعدم إستكمال إستعداداتهم المُتواصلة لمُحاصرة إسرائيل عسكريًا من كل الجهات.

في الختام، لا شكّ أنّ الرئيس الروسي حريص كلّ الحرص على الدفاع عن مصالح بلاده في سوريا والشرق الأوسط قبل أي شيء آخر، لكنّه في الوقت عينه حريص أيضًا على الحفاظ على علاقاته الجيّدة مع كل من إيران وإسرائيل وتركيا والسعودية. وللنجاح في هذه المُهمّة الصعبة، على هذه الدُول المَعنيّة تقديم تنازلات عدّة، وإذا كانت إسرائيل والسعودية وتركيا ليست حاليًا في موقع فرض الشروط، تبقى الأنظار مشدودة إلى الجهة المُنتشية بما تحقّق مَيدانيًا في سوريا، أي إيران. فهل ستُقدّم القيادة الإيرانيّة التنازل الذي يطلبه بوتين بشأن سوريا، أم أنّ المنطقة ستنزلق قريبًا إلى مُواجهة عسكريّة واسعة وحتميّة؟.

(1) يُسمّى أيضًا مَمرّ "مومباي-سان بطرسبرغ"، كونه يربط بين مومباي في الساحل الغربي للهند وسان بطرسبرغ غرب روسيا، وهو أحد أكبر مشاريع النقل الدَولي على مُستوى العالم، حيث يهدف إلى نقل البضائع الإيرانية والروسيّة والهنديّة والأذربيجانيّة، بسرعة أكبر وبكلفة أقلّ.