يعاني ​لبنان​ من أزمة نفايات بدأت منذ ما بعد الحرب اللبنانيّة اذ كانت تُطمر ​النفايات​ في وديان لبنان وهضابه من دون معالجة ولا فرز أو إعادة تدوير، واليوم تفاقمت هذه الأزمة بعد اغلاق مطامر وابتداع أخرى أقل ما يقال عنها انها كارثية على البيئة، وما زالت الحلول السليمة غائبة عن لبنان.

في سياق هذا الواقع المأساوي جاءت زيارة "النشرة" الى ​ايران​ للاطلاع على واقع معالجة النفايات فيها وهي التي تفوق عاصمتها لبنان حجما اذ يقارب عدد سكان ​طهران​ الـ12 مليون، وينتج عنهم يوميا 7 مليون طن من النفايات، مقابل 1800 طن فقط في العاصمة اللبنانية بيروت.

في طهران يتم نقل النفايات الى موقع الشركة المتعهدة هذا الملف على مدار اليوم، ويتم اعادة تدويرها فتحول العضوية الى أسمدة، يُنقل الجزء الكبير منها الى معمل الانتاج لتوليد ​الطاقة الكهربائية​. وفي هذا السياق يشير مدير الشركة مهدات حشمتي الى أن "مصنع كاهريزاك هو الاول من نوعه في المنطقة اذ يحول ٢٠٠ طن من النفايات الى طاقة كهربائية، تقدر بـ3 ميغاواط في الساعة". ويضيف حشمتي: "تم توقيع العقد عام 2012 مع بلدية طهران، وبدأ العمل مطلع عام 2017، بعد الانتهاء من التجهيزات في تعاون مشترك بين ايران والصين، ويعتمد تقنية gasification، أي حرق القمامة لانتاج الغاز الذي يتحول الى بخار ومن ثم يرسل الى مولدات الكهرباء لتوليد الطاقة".

ويكشف حشمتي أن كلفة المعمل بلغت حوالي 25 مليون دولار فقط، وهو يقع على مساحة 3 هكتار بما تتضمن المساحات الخضراء والمعامل واماكن الفرز والمعالجة، مشيرا الى ان بلدية طهران تتحمل 60 بالمئة من كلفة عملية المعالجة بينما تتحمل الشركة 40 بالمئة، ومن ثم تبيع الشركة الكهرباء لمؤسسة كهرباء ايران وتحقق أرباحها.

في لبنان كانت شركة سوكلين تعالج الطن الواحد من النفايات بمبلغ يصل الى 96 دولار، وكانت تعتمد سياسة الطمر الكامل من دون اعادة فرز أو معالجة أو تدوير، بينما تقوم الشركة التي نحن بصدد الحديث عنها بمعالجة الطن من القمامة بمبلغ يتراوح بين 17 و19 دولارا فقط، الامر الذي يدل على التفاوت الشاسع بين السعرين والاهم بين الخدمة المقدمة في البلدين.

بعد نجاح محاولة توليد الطاقة من حرق النفايات كان لا بد من السؤال عن الاثر البيئي لهذه العملية. وفي هذا الاطار يوضح حشمتي ان النفايات الطبية والصناعية لا تأتي الى المصنع بل تذهب الى اماكن مخصصة لها لمعالجتها، مشيرا الى ان انتاج المصنع يتم بحسب المواصفات الاميركية في العام 2016، مشيرا الى أن اعتماد التقنيات المناسبة والمتطورة يتيح اقامة المحارق في الأماكن السكنية دون تواجد اي اثار مضرة، اذ تقاس معدلات الانبعاثات دورياً من غاز ثاني اوكسيد الكربون الى النسب الاسيدية، ورطوبة الهواء وغيرها. ويضيف: "ينتج عن المحرقة نوعان من الرماد، الاول يكون تحتها ويتم استعماله في تغطية اماكن الطمر، والثاني هو الرماد المتطاير الذي يتم حرقه على درجات حرارة ما بين 850 و900 درجة مئوية ما يعني انعدام خطرها على البيئة، وتستعمل في البناء او اضافتها للزفت او للقواعد تحت الزفت"، لافتا النظر الى أن "​المياه​ التي تخرج من المصانع تتحول الى مراكز تكرير المياه، وعندما تصل الى مستويات مقبولة يتم إدخالها ضمن مياه الاستعمال داخل البلد".

لم تعد ايران بحاجة الى تقنيات أجنبية لتصنيع وتركيب وتشغيل وصيانة معامل حرق النفايات وتوليد الطاقة، اذ انها اصبحت على كفاءة عالية واكتفاء ذاتي تام، كذلك تعتمد ​أوروبا​ تقنية الحرق منذ 50 عاما، ويتواجد في اليابان حوالي 130 مصنعا مشابها، وأيضا تتجه الصين الى هذه الصناعات بشكل كبير، اما نحن في لبنان فلا زلنا نبحث عن الوسائل الممكنة، لا لمعالجة النفايات، إنما لزيادة مزاريب الهدر و​الفساد​.

لعل أبرز ما يُقال في هذا السياق هو ما ذكره أحد المراجع السياسية في إحدى جلساته الخاصة، بأن الامكانات المتاحة لمعالجة النفايات كثيرة، إنما في لبنان فلا ثقة بأن يتم استخدام هذه التقنيات بالشكل السليم، وتحديدا المحارق التي قد تتحول من نعمة الى نقمة وامراض سرطانية. فهل ينجح لبنان بتقليد ايران والغرب في حل ازمة نفاياته؟.