للمرة الثانية في غضون ايام توجه الرئيس ​سعد الحريري​ بعد ظهر امس الى السعودية في زيارة وصفها مكتبه الاعلامي بأنها «زيارة عمل« وهي العبارة نفسها التي استخدمت بالزيارة السابقة.

واعرب الحريري قبل مغادرته بيروت امام بعض من التقاهم عن ارتياحه لمسار علاقته مع قيادة المملكة، مكررا ان نتائج زيارته الاولى «جيدة للغاية على عكس ما يعتقد البعض».

وابلغ رئىس الحكومة احد الوزراء انه سيلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز استكمالا وتتويجا للقاءات التي اجراها، خصوصا مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان.

ولفت توقيت توجه الحريري الى السعودية بعد استقباله في السراي امس مستشار المرشد الايراني ​علي اكبر ولايتي​. ورأت مصادر مطلعة انه سيطلع القيادة السعودية على اجواء ونتائج هذا اللقاء، لكن مصادر اخرى قالت ان الزيارة الى الرياض مقررة مسبقا للقاء الملك. وكان ولايتي قد التقى الامين العام ل​حزب الله​ سماحة السيد حسن نصرالله.

وبغض النظر عن تفاصيل ما تريده السعودية من الحريري في هذه المرحلة، فإن جهات مطلعة قالت ان هناك توجهات ومطالب آنية واخرى للمرحلة اللاحقة.

واضافت ان رئيس الحكومة بعد زيارته الاولى تخلص من العبء والقلق الذي كان ينتابه منذ ان بدأت السعودية تستقبل مسؤولين وقيادات لبنانية في اطار تجميع جبهة سياسية تؤازرها في وجه حزب الله ودور ايران في لبنان.

وقالت الجهات نفسها ان الحريري ارتاح لجهة عدم تشدد السعودية بالنسبة لمصير حكومته، وادراكها ان مثل هذا المطلب هو مدمر ويرتد عليها وعلى حلفائها في لبنان.

ويعكس رئىس تيار «المستقبل» ايضا انه ما يزال الرقم الاول في اجندة حلفاء السعودية وانه لمس لدى المسؤولين في المملكة اقتناعهم بأنه الممثل الاساسي للسنّة في لبنان مع بروز قوى وشخصيات سنيّة اخرى منافسة.

ووفقا للمعلومات فإن الحريري لم يكن مرتاحا كثيرا لرغبة السعودية في تحسين العلاقات وعدم الصدام مع قوى سنيّة اخرى تدور في فلك المملكة او محسوبة على الخط المناهض او غير المؤيد لحزب الله.

وقد شكا بأنه يتعرض لحملة عنيفة من بعض هؤلاء، وانه لم يبادر مرة الى الهجوم او التعرض لهم، بل كان دائما من يتلقى سهامهم.

وتضيف المعلومات ايضاً ان هناك اعتقاداً بأن السعودية تريد منه الاخذ بالاعتبار بأن لا يتحول تنافسه الانتخابي مع هذه الشخصيات والقوى السنيّة الى صدام حادّ. لا بل ان هناك حديثا عن انها حددت مبدئىا بعض المرشحين الثوابت في لائحته في بيروت، وتحديداً الرئيس ​تمام سلام​ والوزير ​نهاد المشنوق​، وان الاسماء الاخرى في اللائحة تركت لمرحلة لاحقة.

ووفقا للمعلومات فان القيادة السعودية تعمل لاحياء جبهة سياسية لبنانية موحدة الاهداف واولها مواجهة حزب الله وما تسميه الهيمنة الايرانية، وانها تواجه صعوبات منذ البداية، خصوصا على صعيد جمع حلفائها في مثل هذا الاطار، لا سيما ان هناك خلافات عديدة بين هؤلاء الحلفاء للسعودية تنطلق من معايير واسباب داخلية وانتخابية.

ماذا دار في لجنة الانتخابات؟

على صعيد آخر، لم تتوصل اللجنة الوزارية التي اجتمعت امس برئاسة الرئيس الحريري الى اي نتيجة في خصوص الالية التي ستعتمد في الانتخابات النيابة، واتفق المجتمعون على عقد اجتماع آخر بعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت لمناقشة تقرير تقني تفصيلي يأتي به وزير الداخلية نهاد المشنوق الى اللجنة في ضوء ما أثير من ملاحظات ونقاشات حول البنود الاساسية لهذه الآلية.

وقال احد الوزراء المشاركين في اللجنة ان الاجتماع المقبل يفترض ان يكون حاسماً، لكنه استدرك قائلا ان الاجواء التي سادت (أمس) لا تبشر بامكانية التوصل حول النقاط الخلافية.

واستمر تباين الاراء حول هذه المواضيع خصوصا ​البطاقة البيومترية​ وتلزيمها بالتراضي او عبر ادارة المناقصات، كذلك حول موضوع التسجيل المسبق حيث رأت مصادر وزارية ان تقدما حصل في هذا المجال عندما اعطى الوزير ​جبران باسيل​ اشارة ايجابية بقبول مبدئي للتسجيل المسبق، لكنه عاد وأثار مهلة التسجيل، وكان الرد ان هذا الامر يمكن ان تحدده وزارة الداخلية وليس عمل اللجنة.

وعلم ان «النقاش طال دون حسم النقاط العالقة، خصوصا ان الرئيس الحريري ابلغ المجتمعين انه مضطر للمغادرة الى السعودية، داعيا الوزراء الى اكمال النقاش، لكن عددا منهم ما لبث ان ابدى رغبته ايضا في المغادرة فانفضّ الاجتماع من دون نتيجة.

وحسب المعلومات، فقد انطلق النقاش حول تأمين البطاقة الانتخابية من نقطة انه لا امكانية اصلا لاصدار العدد الكافي لكل الناخبين في لبنان قبل موعد الانتخابات، وان وزير الداخلية يقدر العدد اذا ما لزمت البطاقة بالتراضي بحوالى 450 الف بطاقة.

وابدى الوزير باسيل حماساً لتلزيم البطاقة بالتراضي قائلاً انه طالما ان هناك شركة واحدة فليتم التلزيم بالتراضي لكسب الوقت، وهنا لفت استعداد الوزير المشنوق لتحمل المسؤولية في اعتماد هذا الخيار ايضاً.

لكن الوزراء ​علي حسن خليل​ و​محمد فنيش​ و​يوسف فنيانوس​ و​طلال ارسلان​ رفضوا التلزيم بالتراضي مؤكدين على سلوك الاصول عبر دائرة المناقصات.

وقال الوزير خليل نحن هنا ليس لمناقشة التلزيم، نحن هنا لتأمين الانتخابات والعملية الانتخابية، والمعلوم انه لا امكانية لتأمين البطاقة البيومترية لكل الناخبين كما عبر وزير الداخلية مراراً، وانه في حال جرى التلزيم بادارة المناقصة فان هناك حاجة لشهرين او اكثر، مشيراً الى ان العدد الذي سيؤمن لن يزيد عن المئة وخمسين الف بطاقة بيومترية والتي عندئذ لن تستعمل الا مثل الهوية.

وكرر خليل ان التسجيل المسبق امر واقع، لكن الوزير باسيل عارض هذا الرأي. ثم ابدي مرونة بقوله «لنفترض السير في التسجيل المسبق، فانني ارى ان تكون المهلة قبل الانتخابات بفترة قصيرة جداً، ليوم او ايام قليلة.

وهنا تدخل الوزير خليل قائلاً لماذا هذا الدوران، نحن نقول انت بموقفك هذا لم تتراجع بل نحن تقدمنا.

فرد باسيل: لا انا تراجعت ولا انتم تقدمتم.

وعندئذ قال خليل ان مهلة التسجيل المسبق تحدده وزارة الداخلية وهذا ليس شغلنا، ولا مشكلة في هذا الموضوع.

وشدد ايضاً على ان المسألة او الاولوية ليست لموضوع التلزيم ما دام ان البطاقة البيومترية لن تؤمن لهذه الانتخابات لكامل عدد الناخبين، وبالتالي علينا ان نركز على حسم التسجيل المسبق.

ودار نقاش حول موضوع الهوية، بعد ان اثار وزير الداخلية ان هناك الاف الهويات لا تتطابق مع بصمات اصحابها.

وتركز البحث على كيفية ضبط عمليات التزوير اذا ما اعتمدت الهوية. ومن بين الاقتراحات التي طرحت، ان يوضع في مراكز الاقتراع جهاز لكشف البصمات والتأكد منها.

ولم تتطرق اللجنة الى موضوع المغتربين في اجتماعها امس، وبقي النقاش يدور في حلقة مفرغة.

ورغم هذه الاجواء الضبابية القاتمة، قال مصدر بارز متابع لملف الانتخابات «انه بصرف النظر عن نتائج عمل اللجنة الوزارية فاننا ذاهبون الى الانتخابات في موعدها، وسيكون الاقتراع بواسطة الهوية وجواز السفر اذا لم يتم التوصل الى نتيجة ايجابية في خصوص البطاقة البيومترية».

واضاف المصدر «حصول الانتخابات في موعدها امر لا مفر منه، وان كل الاطراف بدأت تنخرط في ورشة التحضير لهذا الاستحقاق، اكان على مستوى فرق العمل لدى كل حزب او طرف او جهة او على مستوى بدء ما يشبه الحملات الانتخابية التي شهدناها، خصوصاً في بلدان الاغتراب وفي بعض القرى والمناطق».

وفي موضوع متصل، علمنا انه خلال الاجتماع الذي عقده مع هيئة الاشراف على الانتخابات مؤخراً، ابلغ وزير الداخلية اعضاءها بأن اصدار كامل عدد البطاقات البيومترية لكل الناخبين في لبنان بات امراً مستحيلاً وغير ممكن. لكنه في المستطاع اصدار جزء لا يتجاوز الخمسمئة الف بطاقة للراغبين في الاقتراع خارج بلداتهم واماكن ولادتهم.

واشار رداً على اسئلة الهيئة الى ان هناك ثغراً وأخطاء في عدد كبير من الهويات، ملمحاً الى امكانية اضافة اعتماد اخراج القيد الى جانب الهوية وجواز السفر.