بدأت القوى السياسية التي تستفيق تدريجيا من صدمة استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، البحث بحيثيات ما حصل وتداعياته وان كانت تُجمع على "حلقة مفقودة" دفعته للانقلاب على مواقفه المتمسكة بـ"ربط النزاع وتحييد ​لبنان​" بين ليلة وضحاها. وتتريث هذه القوى بتحديد ملامح المرحلة المقبلة بانتظار تحديد الحريري نفسه خطواته اللاحقة، وبخاصة لجهة تبيان عودته قريبا الى بيروت من عدمه ام اختياره البقاء في المملكة العربية السعودية الى أجل غير مسمى.

ولا تخفي مصادر في ​قوى 8 آذار​ مقربة من ​حزب الله​ انّها بدأت فعليا رسم الخطط والسيناريوهات للتعامل مع المرحلة، كما مع اي طارىء او مفاجأة جديدة يفجرها الحريري او سواه. حتى ان عدّاد الأصوات النيابية انطلق لمعرفة ما اذا كان هناك امكانية لتكليف رئيس حكومة جديد ونيله الثقة. وفي هذا الاطار تقول المصادر: "الارجح اننا قادرون على تأمين 65 نائبا يعطون الثقة لحكومة جديدة حتى ولو قرّر ​تيار المستقبل​ كما القوات و​الكتائب​ معارضتها".

ويبدو تحديد اسم رئيس الحكومة الذي سيتم تكليفه بمهمة تأليف الحكومة هو الاصعب في المرحلة الراهنة، باعتبار ان الشخصيات السنيّة الدائمة المرشحة لهذا المنصب ستعدّ للمئة قبل قبول مهمة مواجهة السعودية، كما تيار "المستقبل"، وبالتالي الجزء الكبير من الشارع السني، ونحن الأرجح على ابواب انتخابات نيابية. وسيكون على حزب الله والقوى الحليفة له، بحسب المصادر، التعامل مع خيارين، فراغ غير مؤذ أو تعيين مؤذ، لافتة الى أنّ الفراغ الحكومي يكون غير مؤذ طالما أنّ الوضع الامني ممسوك، اما التعيين فيكون مؤذيا في حال اللجوء الى شخصية سنية مستفزة للطرف الآخر ومحسوبة كليا على فريق 8 آذار. وتضيف المصادر: "اذا دخلنا بلعبة الاسماء، فيمكن الحسم بانعدام أي حظوظ ل​نجيب ميقاتي​، فحزب الله قد يقبل اليوم ب​فؤاد السنيورة​ ولا يقبل بميقاتي. اما ​عبد الرحيم مراد​ فالمسألة لديه، ولا نعلم ما اذا كان مستعدا لمواجهة السعودية وجزء كبير من الشارع السني اللبناني".

وتضيف المصادر، الى أنه قد يتحول الفراغ الحكومي الذي قد يبدو لكثيرين طبيعيا ومقبولا في المرحلة الراهنة، الى فراغ مؤذ في حال تم اختراق الأمن اللبناني، وهو ما يخشاه فعليا حزب الله، الذي تقول المصادر المقربة منه انّه "ممكن من باب واحد، هو باب الاغتيالات باعتبار ان باقي الأبواب موصدة وبأقفال مُحْكَمَة يستحيل تخطّيها بعد تطهير الجرود الشرقية". وتضيف المصادر: "حتى التفجيرات الانتحارية باتت صعبة ومستبعدة. وما نخشاه فقط اغتيالات تطال الصفّ الثاني باعتبار ان الوصول لشخصيات من الصف الأول وللرؤوس الكبيرة شبه مستحيل".

وقد استنفرت كل ​الاجهزة الامنية​ في لبنان فور اعلان الحريري استقالته تحسبا لسيناريوهات أمنية غير محسوبة. فهي وان كانت تُدرك ان أسس الاستقرار ثابتة ومتماسكة نتيجة العمليات الاستباقية الكثيرة، نتيجة تطهير الجرود الشرقية من تواجد المجموعات الارهابية، الا انّها تخشى تحرك خلايا نائمة او أجهزة استخبارات اقليمية أو دولية لزعزعة هذا الاستقرار تماشيا مع الوضع السياسي المستجد المأزوم.

وتبقى الأنظار مشدودة الى سيد قصر بعبدا العماد ​ميشال عون​ المصدوم هو الآخر من انقلاب الامور بين ليلة وضحاها، من ضفة الاستقرار الامني والسياسي الى ضفة لا تزال فيها الرؤية غير واضحة. عون مصدوم لكنّه متماسك. فقد أثبت في المرحلة الماضية وبالتحديد خلال الأزمة الرئاسية أنّه الأكثر تماسكا بين أخصامه وصاحب النفس الأطول. يتعاطى مع استقالة الحرري كتحدٍّ جديد... وهو يهوى التحدّيات ويتقن التعامل معها.