تؤثر السياسة في ​لبنان​ على كل القطاعات الأخرى، وتحديدا الأمن، اذ لطالما سمعنا بمعادلة "ترابط الأمن والسياسة"، فالاستقرار السياسي الذي عاشه لبنان منذ عام تقريبا بعد ​التسوية الرئاسية​ وتشكيل ​الحكومة​، انعكس ايجابا على الأمن فتحققت الإنجازات النوعية بتوقيف الخلايا الارهابية واعتقال مطلوبين بارزين في ​مخيم عين الحلوة​ ومناطق أخرى. فهل سيتأثر الوضع الأمني بالزلزال السياسي الذي خلفته استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​؟.

فور اعلان خبر الاستقالة طلب رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ من قادة ​الأجهزة الأمنية​ الحضور الى بعبدا لعقد اجتماع طارىء، وخلال اللقاء شدد عون بحسب مصادر مطلعة على أهمية الحفاظ على الوضع الأمني القائم والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه اللعب على الوتر الأمني، مشيرا في حديثه الى ضرورة اتخاذ كافة الاجراءات الوقائية التي تسبق أي خلل. وتضيف المصادر: "بعد الاجتماع رفعت الأجهزة الأمنية من مستوى جهوزيتها فألغت الإجازات وفعّلت ما يُعرف بـ"الحجز" لعناصرها، وكانت الأوامر واضحة بأن الأمن خط أحمر"، مشيرة الى أنه نتيجة لذلك الغيت كل التحركات الشعبية التي كان ​تيار المستقبل​ ينوي القيام بها لتأييد خطوة رئيسه.

ينقسم الأمن في لبنان الى قسمين، الأول يتعلق بالشارع اللبناني والتحركات الشعبية الحزبية والطائفية، والثاني يتعلق بالحرب على الارهاب. وفي هذا السياق تكشف المصادر أن الإجماع السياسي على حفظ الأمن لم يتغيّر بعد، والتعاون الأمني بين ​مخابرات الجيش اللبناني​ ومخابرات ​الأمن العام​ وفرع المعلومات و​أمن الدولة​ لا زال قائما، مشيرة الى أنه غير صحيح ما يُشاع عن فك فرع المعلومات ارتباطه بالجهازين اعلاه، وليس صحيحا أن الفرع القريب من تيار المستقبل سيغيّر في طبيعة عمله بعد استقالة الحريري. وتقول المصادر: "حتى اللحظة لم تغيّر الاستقالة من الواقع السياسي اللبناني رغم بعض الخطابات المتشنجة التي صدرت عن نواب تيار المستقبل، اذ ظهر لهؤلاء بأن ما يجري لم يكن عملا سياسيا بل خضة سعودية أجبرت رئيس تيارهم على الاختفاء دون معرفة أي معلومة عنه، وبالتالي جعلت شخصيات "المستقبل" في حيرة من أمرهم، الشيء الذي انعكس ايجابا على الاستقرار السياسي في لبنان.

وتشدّد المصادر على أن الأدوار الحاسمة التي لعبها رئيسا الجمهورية و​مجلس النواب​ أدت لإفشال مخطط تخريب لبنان، اذ كانت الخطة تقول بتحريك الشارع بعد اعلان الاستقالة ونزول بعض المأجورين تحت عنوان "جمهور تيار المستقبل" الى الشارع لتأييد الحريري ومهاجمة ​حزب الله​ بأبشع العبارات والاتهامات وشتمه وشتم ​ايران​، الأمر الذي سيدفع بمناصري الحزب للرد بتحركات مماثلة، ما يقود البلد الى لعبة الشارع التي لا يعرف أحد الى أين قد تصل، مع العلم أن أي تحركات شعبية غير منضبطة ستسهل دخول الارهابيين اليها وارتكاب المجازر. وتقول المصادر: "بمواجهة هذه الخطة كان القرار السياسي الأمني اللبناني واضحا بمنع أي تحرك شعبي وتفويت الفرصة على الطامحين بضرب الاستقرار".

أما بالنسبة للخطر التكفيري، فتكشف مصادر امنية لـ"النشرة" أن عملية هروب نعيم النعيم وأحمد الصالح من مخيم عين الحلوة لم تكن يتيمة، اذ هرب من المخيم 4 مطلوبين آخرين، مشيرة الى أن عملية متابعتهم تجري على قدم وساق، نافية ما قيل عن "لفلفة" الموضوع وكأن شيئا لم يحصل. وتقول: "المعلومات الأولية تشير الى خروج النعيم والصالح من لبنان، ولكن هذه المعلومات لن تثني الأجهزة عن متابعة هذه القضية والتيقظ من امكانية تحضير الارهابيين لعمل أمني. وتضيف المصادر: "من يظن أن استقالة الحريري ستؤدي لانفلات الوضع الأمني هو واهم، فالأجهزة الأمنية لن تضيّع انجازاتها بمحاربة الارهاب وستستمر على نفس الوتيرة لحماية لبنان واستقراره".

يمر لبنان بفترة عصيبة تكاد تفوق فترة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ صعوبة، فالوضع الضبابي المسيطر حاليا قد يعيق تقدم القطار الأمني والاقتصادي الذي انطلق منذ أشهر على أمل أن لا يتوقف بشكل كامل.