في أسبوع واحد شاهد ال​لبنان​يون نسختين من رئيس حكومتهم ​سعد الحريري​، الأولى كانت في يوم اعلان استقالته من الرياض، والثانية يوم مقابلته التلفزيونية الشهيرة التي اثارت التساؤلات حولها. ولكن بعيدا عما سببته استقالة الحريري من تداعيات سياسية وماليّة ومخاوف أمنية، كان لخطوة رئيس الحكومة وما رافقها من ضغوط عليه واحتجاز لحريته في السعودية التأثير الكبير في الشارع اللبناني.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة الى ان التضامن الكبير الذي اظهره الشعب اللبناني مع سعد الحريري لم يكن بسبب وجوده على رأس ​تيار المستقبل​، اذ لا بد من التفريق بين سعد "الإنسان" ورئيس حكومة لبنان وبين الحريري كرئيس للتيار الأزرق، مشيرة عبر "النشرة" الى أن اللبنانيين وخصوصا أولئك الذين يعارضون سياسة الحريري كانوا منذ بداية الازمة من أشد المتعاطفين معه كونهم اعتبروا أن "التعرض لرئيس حكومتهم بغض النظر عن اسمه" فيه اهانة كبيرة للبنان قبل أن تكون موجهة ضد الحريري شخصيا.

من جهتها تكشف مصادر قريبة من تيار المستقبل أن في الأيام الاولى للأزمة لم يتعاطَ جمهوره الأزرق مع الحدث بواقعيته، بل أصرّ على رفض الحديث عن احتجاز حريته، واعتبر ان الاستقالة تنبع من قراره الشخصي لمواجهة ​حزب الله​ و​إيران​، لافتة النظر الى أن الأيام القليلة الماضية التي ترافقت مع تقارير اعلامية عالميّة وتصريحات دوليّة تطالب بعودة الحريري الى لبنان و"فك أسره"، استوعب جمهور المستقبل ما يجري. وتضيف المصادر: "لا شك أن ازمة الحريري انعكست عليه إيجابا في شارعه، اذ جرى "شحذ" الهمم مجددا وارتفعت اليافطات المؤيدة له وعلت صوره في أكثر من مكان لا سيما في صيدا وبيروت".

وفي هذا الاطار، تشير هند وهي واحدة من اللواتي تركن تيار المستقبل منذ فترة، الى أن "الأزمة اعادت للحريري حماسة جمهوره، وجذبت تعاطف الذين هم ضده سياسيا"، مشيرة في حديث لـ"النشرة" الى ان رئيس الحكومة ظهر بعد مقابلته التلفزيونية كرجل عاطفي غير قادر على التعامل مع المؤامرات السياسية، فكان يتحدث كإنسان عادي وليس كرجل سياسي". وتقول هند: "في صيدا مثلا شدّت الأزمة عصب الشارع المستقبلي فكانت النتيجة رفضا شعبيا مطلقا لحلول ​بهاء الحريري​ بدلا من سعد، الأمر الذي كان له انعكاسه على مجريات الأزمة".

اما في طرابلس فيشير عمر (ناشط سياسي طرابلسي) الى ان تعاطف أبناء المدينة كان مع "شخص" الحريري وليس مع تياره او سياسته، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن عودته الى لبنان ستعني وضع التعاطف جانبا والعودة الى العمل السياسي، فإذا عاد الى ممارسة نفس السياسة سيعود الطرابلسيون الى انتقاده. ويضيف: "أبناء ​مدينة طرابلس​ الذين عايشوا "ظلم" الحريري للوزير السابق ​أشرف ريفي​ عبر سحب عناصر الحماية له وخنقه في منزله لا يمكنهم الكيل بمكيالين، اذ بالنسبة لهم فإن ريفي عين، والحريري عين، وهم يعتبرون أن الوقوف مع الحريري هو موقف انساني وليس سياسيًّا وبالتالي لا يمكن الحديث عن ارتفاع شعبية تيار المستقبل في عاصمة الشمال".

ويكشف عمر أن الإعلام المستقبلي حاول تصوير طرابلس وكأنها عادت الى الحضن الأزرق، فتحدث مثلا عن اطلاق مفرقعات نارية تزامنت مع اطلالة الحريري التلفزيونية، مشيرا الى أن المفرقعات لم تكن لأجل رئيس الحكومة بل بسبب أحد الأعراس في منطقة الزاهرية. ويضيف: "طرابلس وفية لمن يحافظ على أهلها ويعمل لأجلها، وهذا ما نتمنى أن يعود اليه الحريري"، آملا أن يعود الى لبنان ويمارس سياسة جديدة أساسها عدم الإنصياع لرغبات حزب الله.

اذا تعاطف اللبنانيون مع الحريري "الإنسان" لا السياسي، ولكن رغم ذلك، أعادت أزمة رئيس الحكومة في السعودية الحياة الى شرايين تيار المستقبل، وهنا يصح المثل القائل بأن "ربّ ضارة نافعة".