كشفت مصادر دبلوماسية اوروبية، لـ"الأخبار" بعض التفاصيل المتعلقة بالوساطات الجارية، وبنتائج مقابلة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ أول من امس وانعكاساتها على هذه الوساطات، موضحة ان "عائلة الحريري أخفقت في الوصول الى اي جهة سعودية داخلية قادرة على المساعدة، خصوصاً أن احتجاز الحريري تزامن مع اكبر عملية قرصنة يقوم بها محمد بن سلمان ضد كبار المسؤولين وأمراء من العائلة الحاكمة، بحيث لم يعد أي مسؤول سعودي قادراً على التجرؤ على البحث في الأمر. ودفع ذلك ​آل الحريري​ الى التواصل مع الاميركيين والفرنسيين والمصريين والاردنيين بحثاً عن حل، قبل أن يتبين ان فرنسا هي الجهة الوحيدة المستعدة لمناقشة الموضوع. وهذا ما لمسه ايضا الرئيس ميشال عون الذي لم يترك باباً الا وطرقه، وهو مستعد للذهاب الى ابعد مما يقدّر السعوديون في ملاحقة قضية خطف رئيس الحكومة".

وأشارت المصادر الى "جو من الإحباط" عاد به الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ من زيارتيه الى الامارات والسعودية الجمعة الماضي. إذ لمس ان ابو ظبي ليست في وارد الضغط على السعودية، وان ابن سلمان ليس مهتماً بالاستجابة للوساطة الفرنسية. وحصل ذلك فيما كان المدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​ يجتمع مع مدير الاستخبارات ​الخارجية الفرنسية​ برنار ايمييه في باريس، ويشرح له المعطيات اللبنانية التي تؤكد أن الحريري قيد الاحتجاز. ولفت ابراهيم الى ان تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ​جون إيف لودريان في صباح اليوم نفسه عن انه لا يعتقد أن الحريري غير حر في حركته، غير صحيحة، وتوفر تغطية لما تقوم به السعودية.

وقد أبلغ الفرنسيون جهات معنية في لبنان، لاحقاً، رفض الرياض الدخول في اي مفاوضات مع لبنان حول مصير الحريري، وانها ترفض ان يزورها أي مسؤول امني لبناني لهذه الغاية. وتبين ان هذا الجواب السلبي جاء رداً على اقتراح بتوجه الندير العام للأمن اللواء عباس ابراهيم، او المدير العام لقوى الامن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​ الى الرياض. وسارع السعوديون الى الطلب من ممثلهم الدبلوماسي في بيروت ​وليد البخاري​ بأن يعرض على رئيس الجمهورية إيفاد وزير الخارجية ​جبران باسيل​ للقاء الحريري والاستماع منه الى حقيقة موقفه. علماً أنهم كانوا يعرفون أن الجواب سيكون بالرفض، لأن البخاري سبق ان اطلع على موقف عون الرافض لزيارة البطريرك الماروني ​بشارة الراعي​ الى السعودية في ظل استمرار احتجاز الحريري.

وبحسب المصادر الاوروبية، فان حصيلة الاتصالات والمعطيات التي تجمعت حول اعتراض الرياض على الحريري، تفيد ان المتصلين بالسعوية فهموا أن الضغط القائم قد يفتح الباب امام حل وحيد، يتضمن عودة الحريري الى بيروت وفق اتفاق يقضي بتقديم استقالته والسفر إلى فرنسا واعتزال العمل السياسي، فيما تطرح باريس الاتفاق على عودته وقبول استقالته وتكليفه تشكيل حكومة جديدة، من دون تأليفها قبل التوصل الى تسوية سياسية جديدة. ثانياً، تعبّر الرياض عن استياء شديد من الحريري وتعتبر أنه خالف ما تعهد به ولا تأخذ بتبريراته حول عدم قدرته على مواجهة ​حزب الله​ او اقناع الرئيس عون بمساعدته في مواجهة الحزب. ثالثاً، بات السعوديون على قناعة بأن الحريري أضعف من أن يقود فريقهم في لبنان ولا قدرة له على مواصلة مهماته، وهم اصلا يخشون من انه، في حال عاد الى بيروت، قد يتراجع عن اي التزام معهم، وعندها قد يبقى رئيسا للحكومة من دون اي تغيير.

ولفتت المصادر إلى ان الرياض تعتقد جازمة بأن الحريري لا ينبغي ان يقود الانتخابات المقبلة. وفي حال بقي الرفض لتولي شقيقه بهاء الدين المسؤولية، فان السعودية ترى انها قادرة على اختيار بديل من بين قيادات المستقبل، على أن تساعده في تنظيم تحالفات مع القوى السنية الأخرى. ولفتت المصادر الى ان السعودية "ليست في عجلة من امرها"، وان جواب الديوان الخاص بابن سلمان عن كل طلب بعلاج سريع للأزمة، هو الدعوة الى الانتظار لبضعة ايام وربما لاسبوع اضافي، ما جعل الفرنسيين يسألون عما اذا كان هناك من هو قادر على التحدث مع الجانب السعودي غير الاميركيين.