اشار وزير الخارجية ​جبران باسيل​ الى ان استقالة رئيس الوزراء ​سعد الحريري​ جاءت ملتبسة وغامضة، إذ لأول مرة في تاريخ الجمهورية يحدث أن يقدم مسؤول ​لبنان​ي استقالته من الخارج، ولم يسجل العرف ​الدستور​ي أية سابقة مماثلة، خاصة أن استقالة رئيس الوزراء هى عمل سيادي بامتياز والأصول والأعراف تقضي بتقديم رئيس مجلس الوزراء استقالة خطية إلى رئيس الجمهورية خلال لقاء يجمعهما، لكن هذا لم يحدث فى الواقع، لذلك شكلت الاستقالة الملتبسة صدمة للبنانيين الذين لم يتوقعوها.

ولفت في حديث الى صحيفة "الاهرام" المصرية، الى ان الحريري كان عنصراً فاعلا فى تحقيق انجازات نوعية مع الرئيس ​ميشال عون​ ومن تلك الانجازات إقرار قانون جديد للانتخابات، وهو القانون النسبي الذى يؤمن عدالة التمثيل للجميع واقرار ​الموازنة​ والاصلاح الضريبي وغيرها، وكنا نعمل ونجهز لتنظيم ​ملف النفط​ والغاز، ثم فجأة حصل ما لم يكن متوقعا بشكل وضع البلاد في حالة ارتباك، لذلك فإن الأولوية الوطنية القصوى في لبنان الآن هي عودة الحريري وعائلته الى لبنان. اضاف لبنان سيقرر الخطوة التالية إذا لم يعد رئيس الوزراء وعائلته إلى ​بيروت​.

وذكر ان هذه الأزمة الرئيس عون دفعت إلى التعاطي بحكمة ومسؤولية وطنية كبرى، عبر التريث وعدم الإسراع في البت في موضوع الاستقالة، وقد تصرّف الرئيس ميشال عون كرئيس للدولة، ورمز لوحدة الوطن، وحام للدستور استناداً الى المادة 49، حيث قام الرئيس عون بحماية الوحدة الوطنية من خلال تكثيف مشاوراته الداخلية والخارجية لكشف الغموض حول وضع الحريري، وطالب الرئيس اللبناني بعودة الحريري وعائلته الى بيروت. وللوصول إلى هذه الغاية أطلق لبنان حملة دبلوماسية إقليمية ودولية لشرح ملابسات عرض الاستقالة من الخارج، وكذلك الظروف الملتبسة التي أحاطت بها، وسعت الحملة الى المطالبة باحترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي ترعى العلاقات الدبلوماسية بين الدول، والتى تؤمن الحصانة المطلقة لمسؤولي الدولة السياديين، خاصة أن رئيس الحكومة سعد الحريري يتمتع بهذه الحصانة، لذلك استقبل الرئيس عون واجتمع بسفراء الدول الدائمة العضوية في ​مجلس الأمن​ الدولى ومنظمة ​الأمم المتحدة​ و​جامعة الدول العربية​ ومصر و​ايطاليا​ و​ألمانيا​ وكذا سفراء عرب حيث أوضح لهم الأسباب التى أدت إلى اعتبار الاستقالة غير مقبولة، وقد أجمعوا على احترام سيادة لبنان واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه مؤكدين دعمهم التام للاستقرار.

وشدد على ان لبنان ملتزم بالاتفاقيات والقرارات والمواثيق الدولية والاعراف الدبلوماسية، وعلى رأسها ميثاق جامعة الدول العربية الذي ينص على احترام سيادة الدول الأعضاء والذى لا يقبل من خلاله لبنان أن يتم التدخل بشأن أي دولة عربية، ومن باب أولى عدم الاعتداء عليها، تماما كما يطالب لبنان بعدم التدخل فى شئونه الداخلية، والاعتداء على حريته وسيادته واستقلاله وكرامته ووحدته.

واعتبر إن لبنان حريص على أفضل العلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة، ومن بينها السعودية، وهو ينأى بنفسه عن أزمات المنطقة، باعتماده سياسة خارجية مستقلة، لأن الوحدة الوطنية هى قاعدة أساسية للحفاظ على استقرار لبنان، وأى مسّ بهذا الاستقرار لا تقتصر تداعياته على وحدة لبنان، بل سيُؤثر أيضاً على استقرار دول الجوار ودول ​الاتحاد الاوروبي​ الذى يعاني من وجود ما يقرب من مليون ونصف المليون من ​النازحين السوريين​، و500 ألف من اللاجئين الفلسطنيين، الأمر الذي سيؤدي إلى وجود موجات جديدة من ​الهجرة​ غير الشرعية، وتنامى خطر المجموعات الإرهابية..

واوضح ان الرئيس عون أبدى ترحيبه بتلميح الحريري تراجعه عن الاستقالة، و​الحكومة اللبنانية​ هي حكومة قائمة ومستمرة فى أعمالها، ذلك لأن الاستقالة من الخارج عمل غير دستوري، لذلك لا تعتبر الحكومة اللبنانية الحالية هى حكومة تصريف أعمال، وننتظر عودة الرئيس الحريري إلى بيروت، واذا أراد الاستقالة فلتحصل الاستقالة من بيروت إلى الداخل اللبناني، وهذا حقه لأننا بلد ديمقراطي.

واوضح ان تحذير دول ​الخليج​ ليس الأول من نوعه، ونحن نشدد على أن لبنان بلد السلام والحوار والتلاقي ونأمل فى عودة الأمور إلى مكانها الطبيعي، وسنعمل على دعم وزيادة الخطوات التى يسعى اليها لبنان لحماية نفسه. واشار الى ان البطريرك الماروني مار ​بشارة الراعي​ يزور ​الرياض​ فى إطار السياسة اللبنانية التى يعتمدها الرئيس ميشال عون، والبطريرك ككل السياسيين اللبنانيين يسعون إلى عودة رئيس الوزراء سعد الحريري إلى بيروت، والبطريرك يسعى فى تحركاته إلى تحقيق الاستقرار فى لبنان.

ولفت باسيل الى ان الجولة الدبلوماسية الأوروبية التي نقوم بها تأتي بهدف الدفع فى اتجاه شرح جوانب المشهد السياسى اللبناني للمسؤولين في عواصم القرار، وكذلك التأكيد على حرصنا على عودة سعد الحريري وعائلته سريعا الى الوطن، وذلك حتى تتوفر الظروف السياسية والدستورية والشخصية التى تسمح له باتخاذ القرار الذى يراه مناسبا، وأود التذكير أننا دولة ديمقراطية، الحريات فيها مصانة، وفي هذا الاطار سنقوم بزيارة عدد من العواصم الأوروبية منها ​بروكسل​ و​باريس​ ولندن و​موسكو​.

وشدد رئيس ​التيار الوطني الحر​ على ان العلاقة بين التيارات السياسية اللبنانية تحددها المرحلة المقبلة، والسبب فى ذلك أننا مقبلون على انتخابات نيابية، لكن يجب ألا نتجاوز ذلك التضامن السياسى والشعبي اللبناني من كل الاطياف مع الحريري وتأكيد الجميع على أهمية عودته الى الوطن هذا التضامن كان تضامناً غير مسبوق، لذلك كان لهذه الأزمة نتيجة ايجابية واحدة ألا وهي التفاف اللبنانيين وتوحدهم ما أسقط تفاعل الازمة. والتحالفات الانتخابية شيء والتفاهمات السياسية شيء آخر، وهي راسخة خاصة بين التيار الوطني الحر وحلفائه، حيث اثبتت الأزمة الأخيرة ان المصلحة الوطنية العليا فوق اى اعتبار.

واوضح ان هناك توافق دولي اقليمي على استقرار لبنان ويجب أن نتذكر أن حوار الحريري اكد عودته الى بيروت خلال يومين او ثلاثة ونحن بانتظاره، كما أعلن نهار الاربعاء، الاستقرار السياسي والأمني مؤمن والجميع متفق على تحييد لبنان عن ازمات المنطقة التى لا قدرة له على تحملها لأنها اكبر منه، وكان هناك اتفاق على تحييد لبنان بعيدا عن أزمات المنطقة، والبدء فى بناء الدولة، وقد تحققت انجازات على هذا الصعيد وننتظر عودة الحريري لنستمر جميعا فى ​البناء​.

واشار باسيل الى انه فى هذا الظرف الدقيق، يسعى لبنان إلى أن يكون مركزا للسلام، وأن يعم الاستقرار كافة الدول العربية لما فيه خير الشعوب وتقدمها وازدهارها، ولإرساء قيم التنوع والانفتاح والحوار، إذ أن المنطقة مهد الحضارات و​الديانات​، وليست مكاناً وموئلاً للتطرف و​الارهاب​. ولفت الى انه منذ بداية الأزمة، وقفت مصر إلى جانب لبنان وقد عبر الرئيس ​عبدالفتاح السيسي​ عن أهمية الاستقرار ودعم مصر لاستقلال وسيادة لبنان، ومصر تنشط بزيارة وزير الخارجية ​سامح شكري​ إلى الخليج لخفض التوتر، كما أن مصر تتفهم خصوصية لبنان القائمة على التوازنات الدقيقة ولا تريد مزيدا من الحروب فى المنطقة، ولفت الى ان المجتمع الدولى أكد وقوفه إلى جانب استقرار لبنان ودعم سيادته واستقلاله، وعلى عودة الرئيس الحريري وعائلته، وهذا هو مطلب لبنان، نحن نقدر كل من وقف إلى جانبنا، ونثمن مواقف الأطراف الحريصة على الاستقرار.