بعد إنكشاف ظروف إحتجاز رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في السعودية أمام الرأي العام ال​لبنان​ي والعالمي، وبعدما أصبحت المملكة في موقع المواجهة مع المجتمع الإقليمي والدولي بسبب هذا الإحتجاز، لم يعد أحد يتحدث عما جاء في بيان الإستقالة الذي تلاه الحريري في 4 تشرين الثاني الفائت لناحية ليّْ ذراع ​إيران​ ونزع سلاح ​حزب الله​ وسحب قواته المقاتلة في بعض الدول ك​سوريا​ و​اليمن​. حتى الحريري نفسه وفي مقابلته التلفزيونية التي أطل فيها عبر شاشة المستقبل، ألمح الى إحتمال العودة عن هذه الإستقالة من دون أن يأتي على ذكر الشروط السعودية التي رددها وزير الدولة لشؤون الخليج ​ثامر السبهان​، وعلى رأسها عدم تمثيل حزب الله في أي حكومة جديدة في لبنان الأمر الذي يشير الى تراجع المملكة عن شروطها وإدراكها بأن ما قامت به مع الحريري للضغط على حزب الله إنقلب ضدها إقليمياً ودولياً. وفي هذا السياق، ترى أوساط دبلوماسيّة أوروبيّة بارزة، أن طرح إستبعاد حزب الله عن أي تشكيلة حكومية لبنانية مقبلة، هو من الأمور المستحيلة في هذه المرحلة، ولو توافق اللبنانيون فيما بينهم قبل أزمة الحريري الأخيرة على تشكيل حكومة حيادية أو ما يعرف بحكومة التكنوقراط، لكان الأمر ممكناً بعض الشيء، أما أن تطرح هذه الصيغ الحكومية بعد الفيتو السعودي على تمثيل الحزب، فذلك يجعل من هذه الطروحات مستحيلة راهناً وهو أمر لن يقبل به لا رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ولا رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ولا حزب الله نفسه، ولا النائب ​وليد جنبلاط​ ولا حلفاء الحزب البارزين ك​روسيا​ وإيران. أما بالنسبة الى الكلام السعودي الوارد في إستقالة الحريري عن رفض تعاظم دور حزب الله في المنطقة، فيرد دبلوماسي أوروبي بارز بأن "حزب الله لم يتوجه الى القتال في سوريا أو في اليمن أو في ​العراق​، إلا بعدما دعمت المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" و"​جبهة النصرة​" بالمال والسلاح وأججت الحروب في هذه الدول، والّتي لو لم تندلع داخلها لما أضطر حزب الله الى القتال فيها والى تدريب المسلحين ووضع خبراته القتالية في تصرف من يواجهون الإرهاب من أنظمة وجيوش وتنظيمات، لذلك فعلى السعودية أن تسأل نفسها وأمراءها قبل حزب الله، لماذا دعمت التنظيمات الإرهابية في دول المنطقة وأشعلت الحروب الأمر الذي أدى الى تدخل حزب الله وإيران وروسيا في هذه الحروب"؟.

إذاً حتى الأوروبيون لم يقتنعوا بالمنطق السعودي الذي أستعمل لتبرير إستقالة الحريري وبالشكل الذي جاءت فيه، فكيف على اللبنانيين أن يقتنعوا، وكيف ستواجه المملكة هذا التبدّل الأوروبي في قراءة مشهدية المنطقة، خصوصاً بعدما قرر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المواجهة وأوفد وزير الخارجية ​جبران باسيل​ في جولة أوروبية، بدأت من بروكسيل وباريس وتشمل عدداً من الدول الأوروبية، كل ذلك تمهيداً للوصول الى مجلس الأمن وطرح قضية إعتقال الحريري، إذا لم تتراجع السعودية وتفكّ أسره في الساعات القليلة المقبلة؟.