يراقب المسؤولون السوريون ما يجري في ​لبنان​ بحذر، لا تعليق رسمي ولا اشارة علنية يمكن أن تشي بالموقف السوري. دمشق منذ بداية الأزمة منشغلة بما يجري في داخلها، وهمها الأساس ألاّ يصبح لبنان ممراً لدعم الارهابيين على أراضيها، وألاّ يستخدم النازحون ورقة ضغط عليها، بينما الشأن اللبناني الداخلي لم يعد ضمن أولوياتها أو يدخل في معادلاتها السياسية، فالمعركة الدولية الاقليمية على الأرض السورية تغرق المسؤولين في الملفات الداخلية، والرأي في دمشق أن لبنان منشغل أكثر ب​سوريا​ وبحاجة الى زيادة التنسيق في الأمن والاقتصاد والكهرباء والزراعة، بالاضافة الى ملف النازحين.

لا ينظر في سوريا الى عودة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على أنها أمر مؤثر على المشهد في البلاد، وجلّ ما يهم أن يستمر الاستقرار في لبنان ويبتعد عن أي خضات سياسية أو أمنية، فالمرحلة المقبلة في سوريا لاعادة اعمار، والسوريون بحاجة الى كل الخبرات للمساعدة في اعادة نهضة البلاد ودخول الشركات الاجنبية والاستثمارات، سواء كان ذلك مباشرة عبر سوريا أو بشكل غير مباشر عبر لبنان، ولذلك فان المسؤولين السوريين يشددون على ضرورة الاستقرار اللبناني وعلى أهمية لبنان كمنفذ لدمشق وريفها والجنوب السوري والوسط.

أمر آخر يشغل لبنان لكن لا تراه دمشق مسألة شائكة، وهو ملف النازحين، في السابق وخلال تشجيع بعض المسؤولين اللبنانيين للنزوح السوري، لتشكيل ورقة ضغط على الحكومة السورية، كان المسؤولون السوريون يرددون في المجالس الخاصة أن السحر سينقلب على الساحر، وكان بعضهم يؤكد أن من خرج واستقر في لبنان لن يعود وان اللبنانيين سيتحملون التداعيات، واليوم لا ترى القيادة السورية أي مانع من عودة النازحين إليها، حيث تؤكد مصادر متابعة لهذا الملف، عبر "النشرة"، أن الحدود مفتوحة للجميع والاف السوريين يتنقلون بين البلدين، وتكشف أن القيادة السورية شجعت وتشجع النازحين على العودة إلى وطنهم، ولكن هذا لا يمكن أن يصل إلى حدود اجبارهم على العودة في ظل استمرار المعارك في بعض المناطق والظروف الاقتصادية الصعبة، ولذلك على من شجع وشرّع أبوابه أن يتحمل التداعيات لحين التوصل لحل سياسي في سوريا.

مسألة النازحين ليست وحدها العالقة بين البلدين، هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عنها هي التنسيق الأمني لوقف تهريب الأشخاص، في ظل تفكك التنظيمات الإرهابية وامكانية انتقالهم من وإلى لبنان، اذ وفقا للمعلومات فإن التهريب يجري بعد الحدود السورية، أي عبر الحدود اللبنانية، والاف الاشخاص خرجوا من سوريا عبر المعبر الرسمي ودخلوا لبنان خلسة عبر الجبال، ولم تتوقف هذه الحركة رغم اتخاذ اجراءات مشتركة بين ​الأمن العام اللبناني​ والهجرة والجوازات في سوريا، بالاضافة الى اتخاذ ​الجيش اللبناني​ ​تدابير أمنية​ لضبط الحدود.

في الاقتصاد أيضاً الكثير من الملفات التي تهم اللبنانيين، أولها الزراعة والعمل على تصريف الانتاج عبر سوريا إلى ​الأردن​ والخليج، وهذا لم يتحقق بعد بانتظار ادخال المنطقة الجنوبية ضمن مناطق خفض التصعيد أو سيطرة الجيش على الطريق الممتدّ إلى الأردن، بالإضافة إلى ملف الكهرباء، لا سيما بعد الاتفاق بين ​ايران​ و​العراق​ وسوريا على اعادة وصل الشبكة بين البلدان الثلاثة، مع لحظ امكانية وصل لبنان أيضاً بها للاستفادة من فائض الكهرباء لديهم.

في دمشق، يتفهم السوريون بعض المواقف اللبنانية حول رفض التنسيق مع سوريا، ويضعونها في إطار رفع السقوف قبل التوصل إلى الحل السياسي، ومن الواضح أن منسوب التصعيد ضدها تراجع كثيراً، لا بل أن البعض ممن يعلنون رفضهم التنسيق يتحضرون للمشاركة باعادة الاعمار.