يبدو "​التيار الوطني الحر​" حاليا كمّن يغرّد خارج السرب. فبالرغم من انهماك رئيسه، وزير الخارجية ​جبران باسيل​ بالتجوال على العواصم الأوروبية بمحاولة لحل الأزمة السياسية التي دخلتها البلاد مع اعلان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ استقالته من الرياض، تنكب القيادات العونية كما المسؤولين عن التحضير للعملية الانتخابية على استكمال استعداداتهم وكأن شيئا لا يحصل. فبعد توزيع نتائج استطلاعات الرأي على المرشحين "البرتقاليين" وبالتالي انتهاء المرحلة الثالثة من العمل الحزبي الداخلي، وهي المرحلة التي حسمت أسماء المرشحين الرسميين للانتخابات، بدأت الماكينة الانتخابية عملها لتسويق هذه الأسماء في الأقضية والمناطق بانتظار تبلور ملامح التحالفات الانتخابية في المرحلة المقبلة وبالتالي ما ستكون عليه اللوائح النهائية.

وفيما ينتقد منشقون عن "التيار" هذا الانكباب العوني على التحضير للانتخابات وبخاصة تحييد هذه الاستعدادات عن المخاض الذي تشهده البلاد، يؤكد مصدر قيادي في التيار ان ما يحصل حاليا هو "أبهى صورة ممكن أن يقدمها "الوطني الحر" عن نفسه من حيث التنظيم وتقسيم المهام، ان كان على المستوى الوطني، باطار الحراك الذي يقوده رئيس التيار الوزير باسيل، أو على المستوى الحزبي الداخلي باطار تفعيل دور الهيئات الحزبية قبل 6 أشهر فقط على موعد الانتخابات".

وبخلاف معظم الأحزاب التي علّقت عمل ماكيناتها الانتخابية، تبدو الماكينة البرتقالية هي الأنشط، ما بدأ يثير فعليا استغراب الأخصام الذين باتوا يتعاطون مع الانتخابات كتفصيل صغير من غير المنطقي الالتفات اليه، في خضم ما تمر به البلاد من أزمة قد لا تطيح بالاستحقاق النيابي وحده بل بالبلد برمته في حال بقيت على حدتها في الاسابيع المقبلة.

وبعدما بلغ الخلاف بين المرشحين العونيين أوجه في الشهرين الماضيين وبالتحديد خلال مرحلة الاستطلاعات نتيجة سعي كل منهم للتفوق على منافسه مستخدما كل الأساليب والأدوات التي قد يبدو للبعض من غير المقبول استخدامها داخل البيت الواحد، يؤكد المصدر القيادي العوني ان الأمور عادت الى نصابها بعد اعلان النتائج والكل رضخ للأمر الواقع. ويضيف: "لقد حرصت قيادة التيار على ان يستلم كل مرشح نتائج الاستطلاع، والا يتم اعلانها امام وسائل الاعلام او حتى باطار اجتماع حزبي موسع لتفادي الاحراج والسعي للملمة البيت الداخلي بعد مرحلة من شدّ حبال غير مسبوقة".

وبنتيجة ما فرزته الاستطلاعات، يكون قد تم تقسيم المرشحين الذين تقدموا الى القيادة معلنين رغبتهم خوض المعركة الانتخابية المقبلة الى 3 أقسام، مرشحون فائزون سيتبناهم التيار وسيكونون بشكل مؤكد على لوائحه أيًّا كان الحلفاء، مرشحون وُضعوا على لوائح الانتظار حتى اتضاح صورة التحالفات، ومرشحون خاسرون أبلغوا صراحة ان شعبيتهم لا تخوّلهم ان يكونوا على لوائحه في الانتخابات المقبلة. ويستبعد المصدر القيادي العوني ان تشكل الفئة الثالثة من المرشحين حالة اعتراضية جديدة داخل "التيار" من منطلق أن هؤلاء يعون تماما انّهم غير قادرين على التأثير على الناخبين وهم خارج الثوب البرتقالي. الا ان ما فات المصدر هو امكانية انضمام هؤلاء الى "المعارضة العونية" الناشطة على خط مجموعات ​المجتمع المدني​ بهدف خوض الاستحقاق النيابي صفا واحدا، ما يجعل احتمالات خرقهم أحزاب السلطة أكثر من ممكن.

وبانتظار انقشاع الرؤية وتبيان المسار الذي ستسكله الأزمة السياسية الراهنة وما اذا كانت ستلقي بظلالها على الاستحقاق النيابي، الا ان ما يبدو محسوما حتى الساعة، هو نجاح رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ باستنهاض الجماهير العونية، ما سيصب تلقائيا مزيدا من الأصوات في صناديق الاقتراع لصالح التيار البرتقالي.