لطالما مرت الدول العربية بأزمات بين اعضائها، تراوحت نسبتها بين التوتر والخلاف، لكنها لم تصل يوماً الى تهديد وجود ​جامعة الدول العربية​ بشكل عام. وحتى في خضم الازمة اتي نشبت بفعل ​الحرب السورية​، وتعليق عضوية ​سوريا​ في الجامعة، تمكن العرب من احاطة الموضوع واستيعابه وتمريره بأقل قدر ممكن من الخسائر.

الاحد المقبل قد يتغيّر هذا الامر، وقد نكون امام محطّة مفصلية في عمر الجامعة العربية كما نعرفها، فالازمات بين الدول الاعضاء كبيرة، وكبيرة جداً، ولن ينفع وضع الشكوى على ​ايران​ على الطاولة لتوحيد الجميع، لان الخلاف في مكان آخر. وبغض النظر عمّا اذا كانت ايران قد نجحت في استقطاب بعض العرب ام لا، فإن الثابت ان المشكلة الخليجية وحدها كفيلة بتهديد التضامن العربي، فكم بالحريّ اذا تمّ التطرق الى المشكلة المستجدة بين السعودية ولبنان، والاختلاف الكبير في معالجة المشاكل في كل من اليمن والعراق وليبيا...

حقيقة الخلاف ان التغيير طرق ابواب الدول العربيّة، ولم يعد من الممكن للانظمة الحالية ان تتعامل معه كما في السابق، من خلال "الترقيع" وتغطية الخلافات بكلام منمّق ومدروس، وقد يكون هذا التغيير على حساب الجامعة العربية. من الممكن ان يحصل هذا الامر، ومن الممكن ايضاً ان يتم تخطيه كي لا "تنكسر الجرة"، انما في الحال الثاني سيكون الامر تأجيلاً للمشكلة فقط وليس ايجاد سبل كفيلة بالتخلص منها مرة واحدة ونهائية. في الواقع، ان الدول العربية امام فرصة حقيقية للقيام بتغيير جذري يطالب به الجميع، لان الدور الحالي للجامعة بات يقتصر فقط على اللقاء، والقاء الكلمات وتجاهل المواضيع الاساسية التي تغرز في الجسم العربي وتقسّمه الى اشلاء، وسيكون من المناسب التوجه الى الاجتماع دون جدول اعمال، والعمل على توحيد الجهود للخروج بحلول عمليّة تعيد الموقف العربي الى الواجهة، بدل ان يكون دائماً وابداً تابعاً لمواقف دوليّة توضع ويكتفي العرب باللحاق بها.

انه مجرد حلم، ولكن ليس من المبالغ به القول ان تشرذم المواقف من شأنه ربما ان يعجّل في حصول التغيير المرتقب، فكيف سيتعاطى العرب برؤية موحدة مع مشكلة السعودية والامارات والبحرين مع قطر،

وكيف سيكون موقف الرياض وبعض ​دول الخليج​ من لبنان، وهل انقسام ​مجلس التعاون الخليجي​ كفيل باحداث الشرخ العلني في الجامعة العربية وانقسامها؟ وهل ستعود سوريا الى الجامعة بعد انتهاء الحرب ووضع مشروع الحل على السكة باتفاق اميركي-روسي؟ وهل فعلاً هناك من كلام عن تجميد عضوية لبنان، بحيث يمكن ان يشكل ذلك رصاصة الرحمة للجسم العربي؟ وهل ستكون ​اسرائيل​ حاضرة في النقاشات التي تحصل مع كلام من اكثر من مصدر عربي وغربي حول اتجاه بعض الدول لتطبيع العلاقات معها؟.

كل هذه المواضيع لا تبشّر بحصول توافق بين العرب، وان اجتماع وزراء الخارجية يوم الأحد المقبل لن يقتصر على درس الشكوى السعوديّة على ايران، ولن يخرج العرب بموقف موحّد، ما سيمعن في اضعافهم وابقائهم مجرد "كومبارس" على المسرح العالمي يتم اللجوء اليهم عند الحاجة انما مع ابقائهم خارج ادوار البطولة والقرارات الاساسية.

المسألة تتعدى الصور التذكارية والكلمات الشعبية، وتتعلق بمصير الموقف العربي ككل، والامر يحتاج الى ذهنية جديدة يجب التحلي بها، تخرج من منطق احادية القرار الى المشاركة به واستعادة، ولو متأخرة، للقرار العربي الذي يحسب له حساب، والتفرغ للتعاطي مع المشاكل الدولية وليس الانخراط في مشاكل تضع العرب في وجه بعضهم، والا فالاحرى ان تتشتّت الدول وتنضم الى اتحادات ومجموعات دوليّة متفرقة، فيعلم كل مواطن عربي اين مصيره وما هو موقف دولته قبل ان تنطق به السلطات المعنية في هذه الدولة.